( أقوال أهل العلم في حُكم الخروج علي أئمة الجور )
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله ، وتحريمها في المعصية ، قال :
"وَأَمَّا الْخُرُوج عَلَيْهِمْ وَقِتَالهمْ فَحَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَة ظَالِمِينَ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِمَعْنَى مَا ذَكَرْته ، وَأَجْمَعَ أَهْل السُّنَّة أَنَّهُ لَا يَنْعَزِل السُّلْطَان بِالْفِسْقِ ، وَأَمَّا الْوَجْه الْمَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَنْعَزِل ، وَحُكِيَ عَنْ الْمُعْتَزِلَة أَيْضًا فَغَلَط مِنْ قَائِله ، مُخَالِف لِلْإِجْمَاعِ .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ : مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن وَإِرَاقَة الدِّمَاء ، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن ، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله ، وتحريمها في المعصية ، قال :
"وَأَمَّا الْخُرُوج عَلَيْهِمْ وَقِتَالهمْ فَحَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَة ظَالِمِينَ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِمَعْنَى مَا ذَكَرْته ، وَأَجْمَعَ أَهْل السُّنَّة أَنَّهُ لَا يَنْعَزِل السُّلْطَان بِالْفِسْقِ ، وَأَمَّا الْوَجْه الْمَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَنْعَزِل ، وَحُكِيَ عَنْ الْمُعْتَزِلَة أَيْضًا فَغَلَط مِنْ قَائِله ، مُخَالِف لِلْإِجْمَاعِ .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ : مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن وَإِرَاقَة الدِّمَاء ، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن ، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .
قَالَ الإمَامُ أَحْمَد بنُ حَنْبَل: «
أَجْمَعَ سَبْعُونَ رَجُلاً مِن التَّابِعِينَ وأَئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَأَئِمَّة السَّلَفِ وفُقَهاء الأَمْصَارِ، عَلى أنَّ السُّنّة التي
تُوُفّي عَلَيْهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ـ وَذَكَر مِنْهَاـ
: والصّبر تحتَ لِوَاء السُّلطان عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ
مِنْ عَدْلٍ أو جَوْرٍ، ولا نَخرُج عَلَى الأُمرَاء بالسَّيْفِ وَإنْ جَارُوا»
( جَلاءُ العَيْنَيْن في مُحاكَمَةِ الأَحْمَدَيْنِ، نُعمان بن مَحمُود الأَلُوسِي (226). )
( جَلاءُ العَيْنَيْن في مُحاكَمَةِ الأَحْمَدَيْنِ، نُعمان بن مَحمُود الأَلُوسِي (226). )
وقَالَ
الإمَام أبُو الحَسَن الأشْعَرِي:
«الإجمَاعُ الخَامِسُ وَالأرْبَعُونَ:
وَأَجْمَعُوا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِأئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِهِم عَنْ رِضَى أَوْ غَلبَةٍ وامتَدَّتْ طاعَتُه مِن بَرّ وفَاجرٍ لاَ يَلْزَمُ الخرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ جَارَ أَو عَدَلَ، وعَلَى أَنْ يَغْزُوا مَعَهُم العَدُو، ويحجّ مَعهم البَيت، وتُدفَع إِلَيهِمْ الصَّدَقَات إِذَا طَلَبُوهَا ويُصَلَّى خَلْفَهُم الجُمع والأَعْيَاد»
( رِسَالَة لأَهْلِ الثُّغُورِ بِبَابِ الأَبْوَاب لِأَبِي الحسَن الأَشْعَرِي (168) )
«الإجمَاعُ الخَامِسُ وَالأرْبَعُونَ:
وَأَجْمَعُوا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِأئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِهِم عَنْ رِضَى أَوْ غَلبَةٍ وامتَدَّتْ طاعَتُه مِن بَرّ وفَاجرٍ لاَ يَلْزَمُ الخرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ جَارَ أَو عَدَلَ، وعَلَى أَنْ يَغْزُوا مَعَهُم العَدُو، ويحجّ مَعهم البَيت، وتُدفَع إِلَيهِمْ الصَّدَقَات إِذَا طَلَبُوهَا ويُصَلَّى خَلْفَهُم الجُمع والأَعْيَاد»
( رِسَالَة لأَهْلِ الثُّغُورِ بِبَابِ الأَبْوَاب لِأَبِي الحسَن الأَشْعَرِي (168) )
ونَقَل الإِمَام النَّوَوِي عَن القَاضِي عِيَاض
قَوْله: « وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ
بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ
عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحَسَن وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ
التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأشْعَث وتَأَوَّلَ هَذا
القَائِل قَولَه أَنْ لا
نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ
قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ
مِنَ الْكُفْرِ
قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ
الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ»
(شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم لِلإمَامِ النَّوَوِي (12/229). )
(شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم لِلإمَامِ النَّوَوِي (12/229). )
وقَالَ ابْنُ بَطَّة رَحِمَه الله: «وقَدْ
أجْمَعَت العُلماءُ مِن أَهْلِ الفِقْهِ والعِلْم والنُّسَّاك والعُبَّاد والزُّهَّاد مِن أوَّل
هَذِهِ الأُمَّةِ إلى
وَقْتِنَا هَذا: أنَّ صلاةَ الجمُعَة وَالعِيدَيْنِ ومِنَى وعَرَفَات وَالغَزْو مَع كلِّ أَميرٍ
بَرٍ وفَاجِرٍ...
والسَّمْع والطَّاعَة لِمن وَلُّوه وَإنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِياً إِلا فِي مَعْصِيةِ الله
تَعَالى، فَلَيْسَ لمخْلُوقٍ فِيهَا طَاعَة»
( الإبَانَةُ الصُّغْرَى (ص: 279) )
( الإبَانَةُ الصُّغْرَى (ص: 279) )
وقَال
الإمَام المُزَنِي صَاحِب الإمَام الشَّافِعِي:
«وَالطَّاعَة لأُولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عَزَّ وَجل مَرْضِيًّا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا وَتَركُ الْخُرُوج عِنْد تَعَدِّيهِم وَجَوْرِهِمْ وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رَعِيَّتِهِمْ»
( شَرْحُ السُّنةِ مُعْتَقَدُ إِسْماعِيل بن يَحْيَى المزَنِي (84). )
«وَالطَّاعَة لأُولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عَزَّ وَجل مَرْضِيًّا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا وَتَركُ الْخُرُوج عِنْد تَعَدِّيهِم وَجَوْرِهِمْ وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رَعِيَّتِهِمْ»
( شَرْحُ السُّنةِ مُعْتَقَدُ إِسْماعِيل بن يَحْيَى المزَنِي (84). )
وقَالَ
الإمَام أبُو الحَسَن الأشْعَرِي:
«الإجمَاعُ الخَامِسُ وَالأرْبَعُونَ:
وَأَجْمَعُوا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِأئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِهِم عَنْ رِضَى أَوْ غَلبَةٍ وامتَدَّتْ طاعَتُه مِن بَرّ وفَاجرٍ لاَ يَلْزَمُ الخرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ جَارَ أَو عَدَلَ، وعَلَى أَنْ يَغْزُوا مَعَهُم العَدُو، ويحجّ مَعهم البَيت، وتُدفَع إِلَيهِمْ الصَّدَقَات إِذَا طَلَبُوهَا ويُصَلَّى خَلْفَهُم الجُمع والأَعْيَاد»
( رِسَالَة لأَهْلِ الثُّغُورِ بِبَابِ الأَبْوَاب لِأَبِي الحسَن الأَشْعَرِي (168) )
«الإجمَاعُ الخَامِسُ وَالأرْبَعُونَ:
وَأَجْمَعُوا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِأئِمَّةِ المسْلِمِينَ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِهِم عَنْ رِضَى أَوْ غَلبَةٍ وامتَدَّتْ طاعَتُه مِن بَرّ وفَاجرٍ لاَ يَلْزَمُ الخرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ جَارَ أَو عَدَلَ، وعَلَى أَنْ يَغْزُوا مَعَهُم العَدُو، ويحجّ مَعهم البَيت، وتُدفَع إِلَيهِمْ الصَّدَقَات إِذَا طَلَبُوهَا ويُصَلَّى خَلْفَهُم الجُمع والأَعْيَاد»
( رِسَالَة لأَهْلِ الثُّغُورِ بِبَابِ الأَبْوَاب لِأَبِي الحسَن الأَشْعَرِي (168) )
وقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في ترجمة :
الحَسَن بْن صَالِح بن حَي»: وقَوْلهم : »وَكَانَ يَرَى السَّيْفَ » يعني أنَّهُ كَانَ يرَى الخرُوجَ بِالسَّيْف عَلى أَئِمَّة الجوْرِ , وَهَذَا
مَذْهَبٌ للسَّلَفِ قَدِيمٌ!!. لكنَّ» اسْتَقَرَّ» الأمرُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِما رَأَوْهُ قد أَفْضَى
إِلَى أَشَدَّ منه؛ فَفِي وَقْعَةِ الحرّة وَوَقْعَة ابن الأَشْعَث وغيرهما عِظةٌ
لمنْ تَدَبَّر!»
( تَهْذِيبُ التَّهْذِيب لابْن حَجَر (1/399).)
___________
قَالَ الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخ في شَرْحِه لِلْعَقِيدَة ِالوَاسِطِيَّةِ (2/609) مُعَلِّقاً عَلَى كَلامِ الحَافِظِ ابْن حَجَر: »وهَذَا القَوْلُ ـ مِنْ أَنَّه ثَمَّ قَوْلانِ فِيهِ لِلسَّلَفِ ـ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ بَل السَّلف مُتَتَابِعُون علَى النَّهْيِ عَن الخرُوجِ ، لَكِن فِعْلُ بَعْضِهِم مَا فَعَل مِن الخرُوجِ، وهذا يُنْسَبُ إليه ولا يُعَدُّ قولاً ؛ لأنَّهُ مخالفٌ للنُّصُوصُ الكَثِيرة في ذَلِكَ ، كَما أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ نَنْسِبَ إلى مَنْ أَحْدَثَ قَوْلاً فِي العَقَائِد وَلَوْ كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ ، فَكَذَلكَ فِي مَسَائِل الإمَامَةِ لاَ يَسُوغُ أَنْ نَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ؛ لأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ القَوْل بِالقَدَر كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ أَحْدَثَ القَوْلَ بِالإِرْجَاء كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ ـ مِنْ جِهَة لُقِيِه للصَّحَابة ـ ، لَكِن رُدَّتْ تِلْكَ الأَقْوَال عَلَيهِ ولم يَسغْ أحَدٌ أَنْ يَقُول : (كَانَ ثَمَّ قَوْلان لِلسَّلَف فِي مَسْأَلة كَذَا)، فَكَذلِكَ مَسَائِل الإِمَامَةِ أَمْرُ السَّلَف فِيهَا وَاحد ومَنْ تَابَعَهُمْ ، وَإنَّما حَصَلَ الاشْتِباَه مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ بَعْضِ الأَفْعَالِ مِن التَّابِعِينَ أَوْ تَبَع التَّابِعِين أَوْ غَيْرِهِم فِي ذَلِكَ ، والنُّصُوصُ مُجتمِعَة علَيهِم لا حَظَّ لَهُمْ مِنْهَا» .
( تَهْذِيبُ التَّهْذِيب لابْن حَجَر (1/399).)
___________
قَالَ الشَّيْخُ صَالِح آل الشَّيْخ في شَرْحِه لِلْعَقِيدَة ِالوَاسِطِيَّةِ (2/609) مُعَلِّقاً عَلَى كَلامِ الحَافِظِ ابْن حَجَر: »وهَذَا القَوْلُ ـ مِنْ أَنَّه ثَمَّ قَوْلانِ فِيهِ لِلسَّلَفِ ـ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ بَل السَّلف مُتَتَابِعُون علَى النَّهْيِ عَن الخرُوجِ ، لَكِن فِعْلُ بَعْضِهِم مَا فَعَل مِن الخرُوجِ، وهذا يُنْسَبُ إليه ولا يُعَدُّ قولاً ؛ لأنَّهُ مخالفٌ للنُّصُوصُ الكَثِيرة في ذَلِكَ ، كَما أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ نَنْسِبَ إلى مَنْ أَحْدَثَ قَوْلاً فِي العَقَائِد وَلَوْ كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ ، فَكَذَلكَ فِي مَسَائِل الإمَامَةِ لاَ يَسُوغُ أَنْ نَقُولَ هَذَا قَوْلٌ لِلسَّلَفِ؛ لأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ القَوْل بِالقَدَر كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ أَحْدَثَ القَوْلَ بِالإِرْجَاء كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ ـ مِنْ جِهَة لُقِيِه للصَّحَابة ـ ، لَكِن رُدَّتْ تِلْكَ الأَقْوَال عَلَيهِ ولم يَسغْ أحَدٌ أَنْ يَقُول : (كَانَ ثَمَّ قَوْلان لِلسَّلَف فِي مَسْأَلة كَذَا)، فَكَذلِكَ مَسَائِل الإِمَامَةِ أَمْرُ السَّلَف فِيهَا وَاحد ومَنْ تَابَعَهُمْ ، وَإنَّما حَصَلَ الاشْتِباَه مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ بَعْضِ الأَفْعَالِ مِن التَّابِعِينَ أَوْ تَبَع التَّابِعِين أَوْ غَيْرِهِم فِي ذَلِكَ ، والنُّصُوصُ مُجتمِعَة علَيهِم لا حَظَّ لَهُمْ مِنْهَا» .
وَقَالَ ابْنُ القَطَّان الفَاسِي : »و
أَجْمَعُوا أَنَّ السَّمْعَ و الطَّاعَةَ وَاجِبَة لِأَئِمَّة المسْلِمِين، وَ أَجْمَعُوا عَلَى أنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِن أُمُورِهِم عَن رِضَا
أَوْ غَلَبةٍ وَاشْتَدَّتْ وَطْأَتُهُ مِنْ بَرّ وَ فَاجِرٍ لاَ يَلْزَمهُم الخُرُوجُ عَلَيْهم بِالسَّيْفِ، جَارُوا أَوْ عَدلُوا»
(الإِقْنَاع فِي مَسَائِل الإِجْمَاعِ لابْن القَطَّان الفَاسِي (1/61) )
(الإِقْنَاع فِي مَسَائِل الإِجْمَاعِ لابْن القَطَّان الفَاسِي (1/61) )
وقَالَ الحُسَيْن بْنُ عَبْدِ الله بن مُحَمد
الطَيبِي: « وأمَّا الخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَتنَازعهِم (هكذا) فَمُحرَّمٌ بِإِجْمَاعِ المسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمينَ،
وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُنَّة عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ لاَ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ؛ لِتَهْيِجِ الفِتَنِ فِي عَزْلِهِ،
وَإِرَاقَة الدِّمَاءِ، وَتَفَرُّق ذَاتِ البَيْنِ، فَتَكُونُ المفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا
فِي بَقَائِهِ
»
( الكَاشِفُ عَنْ حَقَائِقِ السُّنَنِ (7/181 ـ 182).)
( الكَاشِفُ عَنْ حَقَائِقِ السُّنَنِ (7/181 ـ 182).)
قَالَ
شَيْخُ الإِسْلامِ فِي مَعْرِضِ ذِكْرِهِ مَفَاسِد خُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ
اللهُ عَنْهُ وَغَيْره:
» وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْقِتَالِ، وَهُمْ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ نِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرَّةِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلْقٌ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ كَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ [كُلِّهِمْ] ... وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ. وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
(مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 528 ـ 532)).
» وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْقِتَالِ، وَهُمْ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ نِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرَّةِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلْقٌ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ كَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ [كُلِّهِمْ] ... وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ. وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
(مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 528 ـ 532)).
أنَّ ما فَعَله الحُسَين لمْ يَكُنْ خرُوجاً؛
لأَنَّهُ لَم يَكُن قَدْ بَايَعَ ليَزِيدَ أَصْلاً، فَإِنَّه لم يَكُنْ يَرَى شَرْعِيَّة تَوْلِيَة
يَزِيدَ الخِلافَةَ،
ولِذَا أَبَى أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيدَ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ : »وَلَمَّا أُخِذَتِ
الْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ فِي
حَيَاةِ مُعَاوِيَةَ، كَانَ الْحُسَيْنُ مِمَّنِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ هُوَ وَابْنُ
الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍٍ«( 19)، وبَقِيَ مُعْتَزِلاً فِي مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ إِلَيْهِ رُسُل أَهْلِ الكُوفَةِ
تَطْلُبُ مِنْهُ القُدُومَ، فَلَمّا رَأَى كَثْرَةَ المبَايِعِينَ ظَنَّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَهْلَ
الكُوفَةَ لا يُرِيدُونَ
يَزِيدَ فَخرَجَ إِلَيْهِم.
وَمِمّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الحُسَيْنَ اعْتَذَرَ فِي خُرُوجِهِ «أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ، وَإِنْ أَنْتَ قَدِمْتَ عَلَيْنَا بَايَعْنَاكَ وَقَاتَلْنَا مَعَكَ»( 20) .
وَهُوَ مَعَ هَذَا مَا خَرجَ لِقِتَالٍ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم : «وَالْحُسَيْنُ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ يُرِيدُ الْقِتَالَ، وَلَكِنْ ظَنَّ أَنَّ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، فَلَمَّا رَأَى انْصِرَافَهُمْ عَنْهُ، طَلَبَ الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ، أَوِ الذَّهَابَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِتْيَانَ يَزِيدَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا]، وَطَلَبُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ أَسِيرًا إِلَى يَزِيدَ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقَاتِلَ»(21 ).
وقَالَ: «وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَأْمُرُ فِيهَا بِقِتَالِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ; فَإِنَّهُ ت لَمْ يُفَرِّقِ الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ [إِلَى] الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ . وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟! وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ»( 22).
إِذَنْ فَآخِرُ الأَمْرَيْنِ مِن الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ تَرْكُ الخُرُوجُ ـ هَذَا إنْ كَانَ خُرُوجا تَنَزلاً ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسْلِمِينَ.وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَسَادَ مَنْ اسْتَدَلَّ بِخُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ بِمَا لاَ يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكّ.
وقال: « وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ إِنَّمَا تَرَكَا الْقِتَالَ [فِي آخِرِ الْأَمْرِ] لِلْعَجْزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْصَارٌ، فَكَانَ فِي الْمُقَاتَلَةِ قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
قِيلَ لَهُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي رَاعَاهَا الشَّارِعُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَنَدَبَ إِلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُونَ لِذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا بِالْحَرَّةِ وَبِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَلَى يَزِيدَ وَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا»(23 ).
________________________
( 19)البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/477)، وانْظُر تَارِيخ الطَّبَرِيّ (5/343)، وَحِقْبَة مِنَ التَّارِيخِ لِعُثْمَانَ الخَمِيسِ (229).
( 20) البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لابْنِ كَثِيرٍ (8/172).
(21 ).مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/42).
( 22)مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/586).
(23 )مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 536).
وَمِمّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الحُسَيْنَ اعْتَذَرَ فِي خُرُوجِهِ «أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ، وَإِنْ أَنْتَ قَدِمْتَ عَلَيْنَا بَايَعْنَاكَ وَقَاتَلْنَا مَعَكَ»( 20) .
وَهُوَ مَعَ هَذَا مَا خَرجَ لِقِتَالٍ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم : «وَالْحُسَيْنُ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ يُرِيدُ الْقِتَالَ، وَلَكِنْ ظَنَّ أَنَّ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، فَلَمَّا رَأَى انْصِرَافَهُمْ عَنْهُ، طَلَبَ الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ، أَوِ الذَّهَابَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِتْيَانَ يَزِيدَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا]، وَطَلَبُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ أَسِيرًا إِلَى يَزِيدَ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقَاتِلَ»(21 ).
وقَالَ: «وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَأْمُرُ فِيهَا بِقِتَالِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ; فَإِنَّهُ ت لَمْ يُفَرِّقِ الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ [إِلَى] الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ . وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟! وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ»( 22).
إِذَنْ فَآخِرُ الأَمْرَيْنِ مِن الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ تَرْكُ الخُرُوجُ ـ هَذَا إنْ كَانَ خُرُوجا تَنَزلاً ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ المسْلِمِينَ.وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَسَادَ مَنْ اسْتَدَلَّ بِخُرُوجِ الحُسَيْنِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ بِمَا لاَ يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكّ.
وقال: « وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ إِنَّمَا تَرَكَا الْقِتَالَ [فِي آخِرِ الْأَمْرِ] لِلْعَجْزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْصَارٌ، فَكَانَ فِي الْمُقَاتَلَةِ قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.
قِيلَ لَهُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي رَاعَاهَا الشَّارِعُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَنَدَبَ إِلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُونَ لِذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا بِالْحَرَّةِ وَبِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَلَى يَزِيدَ وَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا»(23 ).
________________________
( 19)البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (11/477)، وانْظُر تَارِيخ الطَّبَرِيّ (5/343)، وَحِقْبَة مِنَ التَّارِيخِ لِعُثْمَانَ الخَمِيسِ (229).
( 20) البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ لابْنِ كَثِيرٍ (8/172).
(21 ).مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/42).
( 22)مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/586).
(23 )مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة (4/ 536).
0 التعليقات:
إرسال تعليق