عقيدة الشعراوي من ملفوظاته ــــ. ‫الحلقةالثانية_2ـــ


عقيدة الشعراوي من ملفوظاته.
‫#‏الحلقةالثانية_2ـــ‬
خصائص الشفاعة الشركية
واليك خصائص الشفاعة التي اعتقدها المشركون قديما وحديثًا في معبوداتهم خلاف الشفاعة المثبتة في الكتاب والسنة حيث قالوا ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ [يونس: 18]!
أقول:
أصل الشفاعة الشركية التي اعتقدها المشركون في معبوداتهم وشفعائهم على قياس شفاعة الآخرة عند الله على شفاعات الدنيا لدى الملوك والرؤساء ونحوهم ممن يرجى خيرهم ويخشى ضررهم وكل ذلك منفي عن شفاعة الآخرة ولا يخفى بعد الموت له أحكام الآخرة فمن مات فقد قامت قيامته ومن خلال أقوال أهل العلم وجدت أن تلك الشفاعة قد اشتملت على سمات وخصائص تربو على العشرة وهي:
1- أن الشافع فيها يتقدم ابتداء في الشفاعة دون إذن المشفوع عنده وذلك لقرابته أو وجاهته أو سلطته أو منزلته عنده.
2- أن الشافع (الشفيع) قد يكون مالك الشيء ومن مقصود الشفاعة استقلالاً أو مشاركة أو معاونة.
3- تحديد المطلوب في الشفاعة الدنيوية يكون من قبل الشفيع لا من قبل المشفوع عنده بل ربما بغير علمه.
4- قد يقضي (المشفوع عنده) أمر الشفاعة ويجيزها ولو كان كارهًا لنفسه لرغب أو لرهب!
5- أن طالب الشفاعة محجوب عن (المشفوع عنده) لا يصل إليه إلا من خلال الشافع فهو الذي يدخله عليه.
6- (المشفوع عنده) في الدنيا قابل للتأثُّر والانفعال بشفاعة الشافع فيتأثر بشفاعته وينفعل لها فيعدل عن الحكم الأول فيعطى بعد أن قرر المنع ويعفو بعد أن قرر العقوبة فيبدو له شأن آخر ويعدل عن الأول.
7- (المشفوع عنده) قد يكون جاهلاً بحال (المشفوع له) فيأتي الشفيع فيخبره ويعلمه ويشرح له ظروفه وحالته ويطلعه على حقيقته الأمر بعدما لم يكن يعلم.
8- (المشفوع عنده) في تكلم الشفاعات قد يكون ظالمًا باغيًا على (المشفوع له) فيأتي الشفيع فيدفع عنه الظلم.
9- وربما كان (المشفوع عنده) قاسيًا فيحتاج للشفيع ليسترحمه ويستعطفه ويلين قلبه بشفاعة الآخر.
10- أن (المشفوع له) قد يكون أصاب ذنبا في حق (المشفوع عنده) فلا يجرؤ على لقائه كالعبد الآبق من مولاه فيحتاج للشفيع لتهدئة الأوضاع وتلطيف الأجواء.
11- أن هذه الشفاعة تدخل في المجاملات فيعطي من لا يستحق ويمنع من يستحق فيكون الاعتماد الأعظم على الشفيع دون الكفاءة. والله أعلم.
تلك سمات الشفاعة الدنيوية ومن تأمل في واقعة قد يبدو له سمات أخرى تزيد على هذه أما شفاعة الآخرة فمنفي عنها كل هذه النقائص فالله – عز وجل - أرحم الراحمين ورب العالمين ومالك يوم الدين منزه عن الظلم والقسوة والتأثر والانفعال بأفعال أحد من خلقه فهو (فاعل غير منفعل) والعبد (فاعل منفعل) والله - عز وجل - لا يبلغ العباد ضره فيضروه ولا نفعه فينفعوه ولا يشفع عنده إلا بإذنه لكمال سلطانه وتمام عظمته لا لظلمه وقسوته فهو الذي خلق الشافع والمشفوع له والشفاعة وقدرها ابتداءً وهو الذي يقول للشفيع (اشفع) ويحد له من يشفع فيه وفي الحديث (فيحد له حدا) ولا يملك أحد معه شيئًا استقلالاً ولا مشاركةً ولا معاونةً ولا يقبل شفاعة مشرك ولا الشفاعة في مشرك وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، رحمته وسعت كل شيء وهو قريب ممن ناداه مجيب لمن دعاه لا يمنع عصيان العاصي ولا كفر الكافر أن يجيب دعاءه إذا دعاه مضطرًا وسأله متضرعا ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذّا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62].
دعاه إبليس لما قال ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36] فأجاب قائلاً ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: 37].
ودعاه الكافرون ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: 65] ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان: 32]. ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67]. فأجابهم ونجاهم ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67].
ولا يعارض هذا إن كان إلى الله اقرب فإجابة دعائه أرجى ولا أن هناك موانع تمنع إجابة الدعاء في الرخاء فهذا صحيح ومعلوم ولكن المقصود أن يعلم الخلق جميعًا أن باب الدعاء مفتوح ولجميع العباد ممنوح ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29] فإن أردت الدليل على ما قيل فتأمل كلام ربك - جل وعلا - وسنه رسولك - صلى الله عليه وسلم - في بيان خصائص الشفاعة عند الله جلا في علاه
قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:255].
﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28].
﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: 26].
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: 22- 23].
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: 18].
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [الزمر: 43].
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة: 113].
﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: 80].
﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156].
﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: 7].
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 143] [الحج: 65].
﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر: 17].
وقال - عليه الصلاة والسلام - : (إن الله لا مكره له)، (فيحد له حدا)، (اشفع تشفع).
والآن:
أعد النظر في قراءة كلام الشعراوي في ضوء ما علمت من حقيقة الشفاعة الشركية وقارن بين الشفاعة عند القبوريين وعند المشركين القدامى فهل ترى بينهما فرقا؟! وهل تجد بينهما اختلافا؟!

أما حقيقة الشفاعة عند الله تعالى في الآخرة:
فإن الله تعالى إذا أراد رحمة من شاء من خلقه أذن لمن أراد تكريمه بهذا المشهد العظيم الجليل فألهمه ذلك وأذن له فيه بعد رضاه عن المشفوع له وعن الشفيع وألهمه ووفقه لما يقوله في الشفاعة فيشفع فيه.
فأهل التوحيد لا يطلبون الشفاعة إلا من مالكها – عز وجل -: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44] فيقولون اللهم شفع فينا نبيك -صلى الله عليه وسلم- ويسلكون أسبابها الشرعية التي تنال بها.
فأسعد الناس بشفاعته من حقق التوحيد كما في الحديث أن أبا هريرة – رضي الله عنه – سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ فقال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه).
فأهل التوحيد هم أسعد الناس بشفاعة الشفيع -صلى الله عليه وسلم- كما قال (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا).
فاللهم أحيينا على الإسلام وتوفنا على الإيمان.
فإن قيل: إن الله أعطى نبيه الشفاعة فأنا أسألها ممن أعطيها?
فالجواب: أن الذي أعطاه الشفاعة نهاك عن هذا فقال ﴿فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]؛ فإذا كنت تريد الشفاعة فأطع ربك في أمره ونهيه.
وأيضًا فإن غير النبي أعطى الشفاعة فالملائكة يشفعون والأولياء يشفعون والشهداء يشفعون والأفراط يشفعون ولكل مؤمن شفاعة فهل تقول: الله أعطاهم الشفاعة فأنا أطلبها منهم فإن قلت هذا رجعت إلى عباده الصالحين التي ذكرها الله في الكتاب عن المشركين الذين عبدوا ودا وسواعا ويغوث وعوق ونسرا وكانوا صالحين.
وإن قلت: لا. بطل قولك أطلب الشفاعة ممن أعطاها الله إياها.
إن هؤلاء الموتى من الصالحين وغيرهم مرتهنون بأعمالهم، صالحهم في نعيم وطالحهم في عذاب أليم، لا يسمعون من ناداهم ولا يستجيبون من دعاهم، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأعراف: 194]!!
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف: 196].
﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أنفسهم يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: 197].
يتبرؤن يوم القيامه ممن دعاهم ويخذلون من رجاهم.
﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [النحل: 86- 87].
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: 5].
﴿لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [الرعد: 14].
وكيف يستجيبون ?وهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ?
وأنى يفعلون وهم لمن دعاهم لا يسمعون ?
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إليه يُرْجَعُونَ﴾ [الأنعام: 36]!
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 22]!
﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80].
وكيف يُرجى من لم يدفع عن نفسه وهو حي أن يدفع عن غيره وهو ميت؟!
أليس من العجب أن تطلب النجاة ممن يطلبه لنفسه ويرغب إلي ربه ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ فالله المستعان.


قوله : [ثم إنك إن كنت تقول التوسل بالأحياء جائز وتمنعه مع الأموات! نقول لك أنت تضيق الواسع كذا لأن حياة الحي لا مدخل لها في التوسل]. انتهى.

قوله (إنك إن كنت تقول أن التوسل بالأحياء جائز).
فجوابه:
إننا لا نقول ذلك بإطلاق بل التوسل بالأحياء منه ما هو شرك ومنه ما هو بدعة ومنه ما هو جائز ومنه ما هو واجب!
فمن التوسل الواجب:
اتباع العلماء والأمراء طاعة لرب الأرض السماء والتقرب لله بذالك قال – تعالى - : ﴿فَاسْأَلُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: 7].
وقال - تعالى - : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59].
فهي من الوسائل الواجبة لتحقيق رضوان الله والجنة.
ومن التوسل المشروع بالأحياء: طلب الدعاء المشروع منهم. (فدعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب مستجاب).
ومن التوسل البدعي بالأحياء: سؤال الله بهم بذواتهم وجاههم وما لهم عند الله من منزله وتلك بدعة محدثه ضلالة بعيده عن هدى ذي الرسالة - صلى الله عليه وسلم- .
ومن التوسل الشركي بالأحياء: ما يعتقده الصوفية في أوليائهم من المجانين والمجاذيب من ملك التصريف في الكون فهم الأوتاد والأقطاب والأغواث الذين فوض الله أمر الخلائق إليهم وجعل حسابهم عليهم فمن شاءوا أعطوه ومن شاءوا منعوه ومن رضوا عنه أدخلوه الجنة ومن غضبوا عليه أدخلوه النار ليس بفعلهم طبعًا ولكن بشفاعتهم المقبولة قطعا عند الله والتي لا يردها ابدًا.
ومن ثم يتقربون إليهم بأنواع القربات القلبية والقولية والعملية رجاء وطلب لبركتهم وجلبا لرضاهم وفرارًا من شخصهم وعقابهم بل للعامة لا يعرفون من التوسل بالصالحين أحياء وأمواتا إلا هذا النوع وهم لهذا القسم أليق وبه أحرى وأجدر.

فقوله: [إنك تقول التوسل بالأحياء جائز].
نقول وهذا أيضًا ليس على اطلاقه كما مضى:
فعليك بالتفصيـل والتبـيـيـن فالإطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبط الـ أذهـان والآراء كــــــل أوان
ثم قال: [وتمنعه - أي التوسل - مع الأموات].
وجوابه: أن هذا أيضًا ليس على إطلاقه فكفي تلبيسا وإيهاما للعوام واستدراجًا لعطفهم فمنه واجب كاتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الله – تعالى - ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلْ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: 144]
فرسول الله تجب طاعته حيًّا وميتًا إلى يوم القيامة على جميع الثقلين الإنس والجن وهذا من أعظم الوسائل التي تقرب إلى الجنة وتبعدهم عن النار كما قال – تعالى - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغٌواْ إليه الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35]
وقال - عليه الصلاة والسلام -: (ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله إلا ودللتكم عليه وما تركت شيئًا يبعدكم من الله ويقربكم من النار إلا ونهيتكم عنه).
ومن التوسل المستحب بالأموات اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما دون الفرائض والواجبات.
ومن التوسل المشترك بالأموات فالاستغاثة منهم وطلب الشفاعة منهم والنذر والذبح لهم وطلب المدد والرزق والولد فمنهم وقول بعضهم يا رسول الله اشفع لي عند ربك وادعوا الله أن يفرج كربي فنداء الميت دعاء له سواء طلبت منه أن يفعل لك أو يدعو لك كما سبق في موضعه فالكل طلب ودعاء وقد سمى الله الدعاء نداء فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ نَاْدَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ [الصافات: 75] ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: 3].
فالنداء في كل ذلك هو الدعاء فطلب شيء من الميت ونداؤه دعاء شاء من شاء وأبى من أبى والميت لا يقدر على شيء أصلاً فلا تفصيل في حالة الطلب من الميت أما الحي ففيه تفصيل فإذا طلب من الحي الحاضر ما يقدر عليه فلا مانع من ذلك قال تعالى ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَه﴾ [العلق: 7] ومنه ﴿لَا تَجْعَلُواْ دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: 63] ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ﴾ [الأحزاب: 5]. والله أعلم.
فإن قيل: دعاء الميت عند قبره كالطلب من الحي لأنه يسمع من خاطبه?
فالجواب:
1- قد فرقت الشريعة بين الطلب من الحي والطلب من الميت فالطلب من الحي الحاضر ما يقدر عليه ولو حكما مشروع لا حرمة فيه وأما الطلب من الميت فهو أصل شرك العالم.
2- قياس الميت على الحي أبطله القران الكريم.
حيث قال تعالى ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَاْ الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتِوي الأحياء وَلَا الأموات إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 19: 22] .
3- فهم الصحابة رضي الله عنهم حجة قاطعة فإنهم فرقوا بين هذا وذلك فطلبوا من العباس أن يدعو لهم ويستسقي لهم وتركوا هذا الطلب من نبيهم وحبيبهم - صلى الله عليه وسلم - ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

أما سماع الموتى كلام الأحياء فلا بد معها من وقفه ولو طالت بعض الشيء.
مسألة سماع الموتى
قال الله - تعالى - ﴿إِنَّكَ لَاْ تُْسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80].
وقال - تعالى - ﴿فَإِنَّكَ لَاْ تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم: 52].
وقال - تعالى - ﴿وَمَا أَنَتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِيْ الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 22].
وقال - تعالى - ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إليه يُرْجَعُونَ﴾ [الأنعام: 36].
وقال - تعالى - ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُـوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: 13].
فهذه الآيات جميعًا ناطقة دالة على أن الميت لا يسمع ناصعة على ذلك.
فإذا كان النبي لا يستطيع أن يُسْمِع الموتى وهو رسول الله إلا أن يشاء الله إسماعهم فمن ذا الذي يستطيع ذلك غيره? فالله هو المتفرد بإسماع الموتى إذا شاء وإسماع من ليس له مطلق إسماع! ألـم ترَ أنه أسمع السموات والأرض خطابه حيث قال لها: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11]!
وكذلك يسمع من يشاء من الموتى صوت من شاء من الأحياء ألم تر أنه - تعالى - أسمع قليب بدر من المشركين بعد قتلتهم بثلاث صوت النبي لما ناداهم بأسمائهم هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربى حقا?!
وقال لأصحابه لما سألوه عن ذلك ما أنت بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا!
وكذلك يسمع الميت قرع نعال أصحابه إذا ولو عنه مدبرين!
فإن قيل:
أليس هناك تعارض بين ما دلت عليه الآيات السابقات من عدم سماع الموتى وما نصت عليه هذه الأحاديث الصحيحة من إثبات السماع لهم?
فالجواب: كلا وهل يتعارض كلام رب العالمين ووحيه على نبيه الأمين?
قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
وقال - تعالى -: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 113].
وقال - تعالى -: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 4].
وقال عليه السلام (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) فلا تعارض مطلقا بين نصوص الوحي لاتحاد المشكاة.
وأيضاحُ ذلك:
أن الآيات دلت على حكم عام وهو أن النبي وغيره من الخلق كذلك لا يستطيعون إسماع الموتى، وأن الموتى لا يسمعون كلام الأحياء وهذا العموم مستفاد من عده صيغ وهي:
1- الاسم الموصول (من) في قوله - تعالى - (مَنْ فِي الْقُبُورِ) وهي اسم موصول يدل على العموم.
2- الألف واللام الدالة على الاستغراق والشمول في قوله - تعالى - ﴿إنَّكَ لَاْ تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80].
3- الفعل المضارع (تُسْمِعُ) والفعل المضارع يشمل المصدر الذي هو الحدث مع الزمن والمصدر نكرة فتكون نكرة في سياق النفي (لا) فتفيد العموم أيضًا والتقدير - والله أعلم - إنك لا تستطيع إسماع الموتى ومثله قوله – - تعالى - -: ﴿لَاْ يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: 14].
4- وكذلك النكرة في سياق النفي في قوله - تعالى - ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِيْ الْقُبُورِ﴾ [فاطر: 22] فيكون العموم من جهة (الموتى) و (من في القبور) دالاً على شمول عدم السماع للجميع فيدخل في ذلك الأنبياء والصالحون وغيرهم.
ومن جهة (لا تسمع) (وما أنت بمسمع) (لا يسمعوا) دالا على شمول جميع أنواع السماع سماع إدراك أو سماع انتفاع، كل ذلك داخل في حكم النفي. والله أعلم.
فلا أحد يستطيع أيا كان أن يسمع ميتا أيا كان أيَّ شيء أيًّا كان إلا ما شاء الله فهذا هو الأصل الأول فنقف عند ما ورد به النص.
أما الأحاديث: فهي كما هو ظاهر خاصة بوقت معين أو أشخاص معينين أو هي واقعه عين وكل ذلك لا عموم له كما تقرر في الأصول.
فحديث القليب كالآتي:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (وقف النبي – صلى الله عليه وسلم - على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا? ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما نقول) فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت (إنك لا تسمع الموتى). رواه البخاري.
وعن طلحه أن نبي الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديق قريش في طوى من أطواء بدر.... حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم..... أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله? فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا? قال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها?! فقال رسول الله (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).
قال قتادة: (أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيًرا ونقمةً وحسرةًً وندمًا). أخرجه الشيخان.
فقوله - صلى الله عليه وسلم - (إنهم الآن يسمعون ما أقول) وقوله (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) التخصيص فيه واضح وذلك في قوله (الآن) دل بمنطوقه على إثبات سمعه لهم في ذلك الوقت على نفي السماع عنهم في غير ذلك الوقت، وحتى لو قلنا لا مفهوم له تنـزلا، فغاية هذه اللفظة إنما أثبتت لهم سماعا في ذلك الوقت وبقي غيره في جميع الأحيان حكمه في هذا النص فيستفاد من الأدلة العامة التي سبق ذكرها في عدم سماع الموتى.
وأما قوله (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) فهذا أيضًا مخصص بخطاب النبي لهم (لما أقول) فليس سماعًا مطلقا لكل ما يقال لهم ألا ترى أنه لم يقل (ما انتم بأسمع منهم)!!
وعلى كل حال سلمتم لنا التخصيص أو لم تسلموه فإنها واقعه عين، وواقع الأعيان لا عموم لها كما هو معلوم في الأصول.
بل إننا لا نبتعد عن الصواب - إن شاء الله - إذا قلنا إننا نستدل بنفس هذا الحديث على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون كلام الأحياء!
فإن قيل كيف?
قلنا روى أحمد عن أنس فذكر الحديث. وفيه فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاثة وهل يسمعون? يقول الله - تعالى - ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِع الْمَوْتَى﴾ [النمل: 88] "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا". قال الألباني: صحيح على شرط مسلم. (الآيات البينات ص50).
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر على فهمه واستدلاله بالآية الكريمة التي يستدل بها المانعون لسماع الموتى كلام الأحياء وخطابهم فالآية حقًّا هي العمدة في أن الموتى لا يسمعون من لدن الصحابة إلى الآن وبإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم-! فهل في روايات الحديث المتعددة أن النبي (خطَّأ عمرَ) أو قال له: (كلا بل يسمعون) أو قال (ما أنتم بأسمع منهم)?!
أو نحو ذلك، وهل يجوز في حقه عليه السلام تأخير البيان عن وقت الحاجة وعمر لم يكتف بهذا السؤال الذي يشير بأنه علم من قبل أنهم لا يسمعون بل يتجاوز ذلك علمه إلى الاستدلال بالآية تأكيدًا لاستشكاله السابق بين ما علمه سلفا وبين ما يرى رسول الله يفعله فهل هذا وقت تأخير البيان أمام هذا الجمع الكبير بين الصحابة ?! اللهم لا.
لكنه - صلى الله عليه وسلم - بيّن لهم جميعًا أنهم الآن يسمعون فأقرهم على فهمهم واستدلالهم وبين لهم أن هؤلاء بخصوصهم يسمعون، يسمعونني أنا بخصوص فيما أقول لهم الآن بخصوصه فهل بعد فهم الفاروق الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه وهو العربي الفصيح والصحابي الجليل والذي فهم من قوله - تعالى - ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80] صحة الاستدلال بها على أن الموتى لا يسمعون سماع إدراك ولا سماع انتفاع وإقرار النبي له على هذا الفهم وكذلك استدلال عائشة على نفي سماع الموتى بنفس الآية غير أنها خفي عليها مسألة التخصيص فوهمت الرواية هل بعد ذلك يمتري عاقل أو يتلجلج فاضل في أن الموتى لا يسمعون إلا حيث أسمعهم الله ونحن لا نعلم ذلك إلا ما ثبت بدليل صحيح تقوم به الحجة.
أليس ما بعد الموت غيب?
فلِمَ الخوض فيه بغير علم ولا برهان?!
أليس الموتى من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون?
فلِمَ يهتك هذا البرزخ ويلغى ويتصل الأحياء بالأموات بهذا الإطلاق فأين البرزخ إذن؟! وأين الدليل؟!
أليس هؤلاء الموتى قد بليت آذانهم وأعينهم وأيديهم وأرجلهم?
فلِمَ آتيتم بأسمج قياس على وجه الأرض، فقستم سمع الأموات على سمع الأحياء؟!
أليس الله قد وبخ الكافرين الذين يعبدون الأموات من الأنبياء والصالحين فقال تعالى ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: 195] فإذا كان الميت بهذه المثابة بين العجز والضعف فكيف لا تعقلون ولا تتأملون حالكم ولا حالهم فترعوون وتتوبون وإلى ربكم ترجعون?!
فإن قال قائل رويدك رويدك! فقد جاء في كتب التفسير خلاف ما ذكرت وغير ما قررت فقد قالو أن معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: 80] ونحوها: نفيٌ لسماع الانتفاع لا مطلق السماع ألا ترى أن الكفار يسمعون خطاب النبي ولا ينتفعون به وكذلك الموتى ولكنهم لا ينتفعون فهل خفي هذا على جميع المفسرين?
فالجواب ومن الله السداد:
لا شك أن من نظر إلى سؤالك وصياغته أُعْجِب بسياقه وطريقته وربما مال إليه بادي الرأي فإذا ما سلط عليه نور العلم وسكب عليه ترياق القلوب وشفاء العين زاح عنه الباطل وانقشع عن بصره الغشاوة فأقول وبالله أصول وأجول:
إننا مع الأئمة المفسرين رحمهم الله في هذا التفسير من ابن جرير إلى بن كثير لم نفارقهم فيه طرفه عين ولم نخالفهم فيه قيد أنمله فإن معنى أن الله تعالى يشبه حال الكافرين في عدم استجابته لما يتلى عليهم من الوحي المبين بحال المييتين فهم – أي الكفار - وإن كانوا يسمعون ولا يستجيبون ولا ينتفعون وهذا القدر هو الذي ذكره بعض المفسرين - رحمهم الله - وهو بحمد الله لا يخالف ما ذكرنا ولا يتعارض معه، ومن قال أن الموتى يسمعون وإنما نفي عنهم سماع الانتفاع فقوله مرجوح وبالأدلة السابقة محجوج وله أجر على اجتهاده ونحن في حلٍ من تقليده.
كأنى بهذا السائل قد فهم عكس التشبيه، فجعل المشبه مشبها به فكأنه فهم مثل الموتى الذين لا ينتفعون بما يسمعون كمثل الكفار الذين يسمعون القران ولا يستجيبون لما فيه.
فسبحان الله! من فهم هذا الفهم من الصحابة وسائر السلف ?!
ثم ما الفائدة من تشبيه الموتى بالكفار?!
وإنما الفائدة في تشبيه الكفار في عدم استجابتهم وانتفاعهم بالقرآن كالميت الذي لا يسمع أصلاً بل كالأصم الذي لا يسمع رأسًا!!
وتأمل كيف قال – تعالى –: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ [النمل: 80] فهل يستطيع هذا المتحذلق أن يستمر على فهمه السابق - الذي يحد عليه! - ويقول أن الأصم يسمع لكنه لا يسمع سماع انتفاع. فوا عجبا!!
فالمعنى الصواب - إن شاء الله تعالى -:
إنك لا تستطيع إسماع هؤلاء الكفار سماع انتفاع، وقد ختم الله على أسماعهم وجعل فيها وقرًا كما أنك لا تستطيع إسماع الأصم الذي فقد حاسة السمع أصلًا.
فهؤلاء وإن صحت منهم الأسماع - يعنى آلة السمع – إلا أن وجودها كالعدم إذ لا فائدة فيها فهم لا يسمعون سماعا قامت عليهم الحجة ولكن لم ينتفعوا به ولم يهتدوا به ولم يخرجوا به من الظلمات إلى النور فحالهم – لانتفاء جدوى السماع – كحال الموتى الذين فقدوا مصحح الأسماع.
فإن قيل: إذا كان الأمر كذلك فلِمَ ذكر الأصم بعد الموتى وكلا هما على قولك لا يسمع وهلا اكتفي بالموتى?
والجواب: أن الكفار حال استماعهم للقران الكريم وللنبي الأمين ثلاثة أنواع: -
الأول: وهو الأسوأ فهو كالميت: الذي لا يسمع مطلقا فلا يؤثر فيه علو الصوت ولا انخفاضه ولا قربه ولا بعده ولا خطابه مواجهةً ولا مدابرةً: إنه ميت!
الثاني: وهو سيئ جدًّا ولكنه دون الأول فهو كالأصم الذي لا يسمع الأصوات العادية لكنه قد يسمع الانفجار العظيم والدوي الهائل والصوت الصارخ المزعج فإذا وُوُجِهَ بالخطاب ورُفِع له الصوت بالصياح، ورأي قسمات وجه المتحدث وإشارات يده فهذا قد يسمع ولو سمعًا ضعيفا لكنه إذا ولى مدبرا وأعرض عن مصدر الصوت لم يبقَ في سماعه مطمع!
الثالث: وهو كالأعمى: وهو أحسن حالا من سابقيه ومعاشرته ومخالطته أيسر وأسهل فهو يسمع لكنه لا يبصر طريقه وما فيها من المهلكات والمتلفات فما أسرع هلاكه!
وقال تعالى ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13، 14].
قال الألباني - رحمه الله -:
هذه الآية صريحة في نفي السمع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم يبعدونهم فيها وليس لذاتها كما يدل على ذلك قوله – تعالى - ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23] ففي التفسير المأثور عن ابن عباس وغيره من السلف أن هؤلاء الخمسة أسماء لرجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى ذا هلك أولئك وتنخ العلم عبدت.رواه البخاري وغيره.
ونحو قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَـاءَ مَا نَعْبُـدُهُـمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُـونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
قال ابن القيم - رحمه الله -: (فوضع الصنم في الأصل إنما كان على شكل معبود غائب فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته وإلا فمن المعلوم أن عاقلا لا ينحت خشبه أو حجرا بيده ثم يعتقد أنها معبودة). إغاثة اللهفان: 2/ 244.
فإن قيل: إن كثيرًا من المفسرين فسرها بأنها المراد بها الأصنام نفسها وقالوا لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع!
يعنى هم فسروها بالأصنام وأنتم تفسرونها بالأموات والصالحين.
فالجواب:
الأصنام لا تسمع ولا تضر ولا تنفع وكذلك الأموات لا تسمع ولا تضر ولا تنفع فأي تعارض بين التفسيرين?
قال القرطبي - رحمه الله -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونَهُ﴾ [فاطر: 13]: أي من يعقل ممن عبدهم الكفار.
قال القرطبي - رحمه الله -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونَهُ﴾ [فاطر: 13]: أي من يعقل ممن عبدهم الكفار.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ - رحمه الله -: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: 13] من كانت هذه صفته فلا يجوز أن يرغب غي طلب نفع ودفع ضر إلى أحد سوى الله – تعالى - وتقدس بل يجب إخلاص الدعاء الذي هو أعظم أنواع العبادة له، وأخبر – تعالى - أن ما يدعون أهل الشرك لا يملك شيء وأنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم ولا فرض أنهم يسمعون فلا يستجيبون لداعيهم وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم أي ينكرونه ويتبرؤون ممن فعله معهم فهذا الذي أخبره اللطيف الخبير الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأخبر أن ذلك الدعاء شرك به وأنه لا يغفره لمن لقيه به فأهل الشرك ما صدقوا الخبير وما أطاعوه فيما حكم به وشرع بل قالوا أن الميت يسمع! ومع سماعه ينفع!
فتركوا الإيمان والإسلام رأسًا كما ترى عليه الأكثرين من جهلة هذه الأمة ,, قرة أعين الموحدين وبما يؤيد أن المقصود هم الموتى من الأولياء ونحوهم وليس ذات الأصنام والحجارة أنه - تعالى - أخبر أنهم يوم القيامة ﴿يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: 14] وهذا دليل على أنهم ممن يحشر يوم القيامة وليس هناك دليل على حشر الجمادات وأنه تكفر وتتبرأ من عابديها يوم القيامة!
﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111].
﴿قُلْ هَلْ عِندَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ [الأنعام: 148].
أما من عبد من دون الله من العقلاء فالآيات مصرحة بما ذكرنا من البراءة من عابديها - قال تعالى -: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَقُولَ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ (17) قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء﴾ [الفرقان: 17- 18] وقال - تعالى -: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جميعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: 40].
وقال تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ [المائدة: 116].
وقال تعالى ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جميعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: 28- 29].
وقال تعالى ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أعداء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5- 6].
فهذا التبرؤ والتجاحد والتكافر الذي يقع يوم القيامة إنما يكون بين العابدين والمعبودين العقلاء أنفسهم وليس ذوات الأصنام والأحجار والقبور والأضرحة. والله أعلم.
ومن الأدلة على عدم سماع الأموات أيضًا قول النبي (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام). صححه الألباني.
وهذا صريح أن النبي لا يسمع سلام المسلمين عليه إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه فكيف بغير السلام فكيف بغير النبي?!
والحديث يشمل من سلم عليه عند قبره أو بعيدا عنه ولا دليل على التفريق والحديث الذي نص على التفريق موضوع وهو (من صلى عند قبري سمعته ومن صلى على نائيا بلغته). فهو موضوع برقم 5670 ضعيف الجامع. راجع الآيات البينات للألباني (57- 58).
قلت: ويشهد لذلك أيضًا ما رواه سعيد بن منصور عن سهيل قال: (رآني الحسن بن الحسن بن على عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى؛ فقال: هلموا إلى العشاء.
فقلت: لا أريده؛
فقال: ما لي رأيتك عند القبر?
فقلت: سلمت على النبي.
فقال: إذا دخلت المسجد فسلم فذكر الحديث، ثم قال ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء).
قال الألباني: مرسل قوي.
فهل بعد هذا ريب? وهل يبقى بعد ذلك تلجلج وشك ?
فاللهم هداك!
وأما حديث: (إن الميت يسمع قرع نعالهم).
فالتخصيص فيه ظاهر فبالنظر إلى مجموع رواياته وألفاظه نجد (إذا انصرفوا) ونجد (إذا ولوا) ونجد (إذا وضع في القبر وتولى عنه أصحابه).
فـ (إذا): من قبيل التخصيص بالزمان فنثبت ما أثبته النص ونشهد أن الميت يسمع (قرع نعالهم) (إذا ولوا عنه مدبرين) ونقف عند هذا الحد.
أولاً: لأنه غيب لا نخوض فيه بغير علم ولا برهان، فلا يصلح فيه قياس ولا رأي ولا استحسان.
ثانيًا: لأن الأدلة العامة التي سبقت دلت على أن الموتى لا يسمعون وجاءت أدلة خاصة على سماعهم في وقت معين فنؤمن بالجميع بلا تعارض ولا ترجيح.
ثالثًا: فإن هذا الوقت تعاد فيه الروح إلى الجسد ليسأله الملكان كما في الحديث (وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان) فأين العموم وأين الإطلاق في سماع الموتى يا عباد الله?!
فإن قيل: أليس قد ورد في السنة الصحيحة: (زوروا القبور)، فكيف نزور من لا يشعر بنا? ولم سماهم رسول الله (زيارة)?
أليس قد أُمِرْنَا (بالسلام على أهل القبور من المؤمنين)؟! فكيف نسلم على من لا يسمعنا? وهل يعقل ذلك?
أليس قد ورد أنهم يردون السلام على من سلم عليهم فكيف إذا كانوا لا يسمعون?!
الجواب بعون الملك الوهاب:
أما الأولى: فلا تلازم بين الزيارة وبين الشعور المزعوم بل يزار من لا يشعر بالزيارة بل من لا يعقل الزيارة أصلاً، فكم من مريض فاقد الوعي لا يسمع ولا يبصر والناس يزورونه حسبة لله، أوليست هذه زيارة?!
وكذلك بيت الله الحرام أليس الحجاج والعمار يزورونه آناء الليل وأطراف النهار ويوفدون إليه رجالاً وعلى كل ضامر من أطراف المعمورة منذ أذَّن إبراهيم وإلى الوقت المحتوم؟ أليست هذه زيارة ?!
أليس النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور مسجد قباء كل سبت راكبًا وماشيًا?
فهل الكعبة ومسجد قباء تسمع أصوات الزائرين والطائفين?!
اللهم غفرانك.
وأما الثانية: وهي أن التسليم على أهل القبور إشعار بسماعهم!
فنقول: كلا! فإن المسلمين جميعًا ما زالوا يسلمون على النبي في صلواتهم في حياته وبعد وفاته قائلين: (السلام عليك أيها النبي) أو (السلام على النبي) فهل تقولون بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع كل من سلم عليه في مسجده وهم إنما يقولون ذلك سرًّا?! فكيف فيمن يصلى عليه في غير مسجده?! وكذلك النساء في بيوتهن في صلواتهن فهل كان في حياته – صلى الله عليه وسلم - يسمع كل ذلك?
ثم إن كان يسمع ذلك في حياته ولا أظن عاقلاً قال بذلك قط فهل استمر ذلك أيضًا بعد مماته -صلى الله عليه وسلم-?
وإذا سلمنا على فرض المستحيل أنه كان يسمع كل ذلك ولا يزال فلِمَ تبلغه الملائكة ذلك التسليم وهو يسمعه?!
فان أبى المكابر كل ذلك وأصر على العناد وخالف أهل العقول والرشاد وجعل سمع النبي كسمع الرب العلى السميع البصير اللطيف الخبير، الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويسمع أصوات أهل الأرض والسماء على اختلاف اللهجات وتفنن الحاجات لا يشغله سمع عن سمع ولا شان عن شان فتبارك الذي وسع سمعه الأصوات.
إذا أبى المكابر إلا ذلك، فامرؤ وما اختار، وإن أبى إلا النار، لكننا نلقمه حجرًا أخيرًا لعله يتوب ويراجع ويئوب فنقول هب أن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك! فهل كل مؤمن كذلك?!
فإن قال: كيف؟
قلنا: أنك في التشهد تقول (السلام عليك أيها النبي ورحمه الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)!!
ومعلوم أن عبارة (عباد الله الصالحين) صيغة عموم شملت كل عبد لله صالح في السموات أو في الأرض وها أنت تسلم عليهم جميعًا في كل تشهد فهل يسمعك كل هؤلاء?!
بل نحن أيضًا نفعل كل ذلك في كل تشهد فهل تسمعنا إذ نسلم عليك ?!! أم أنت لست من عباد الله الصالحين?!
فإن قيل: سلمنا بما ذكرت فما معنى السلام في هذه المواضع إذا كان لا يسمع الـمُسَلَّم عليه تسليم المسلِّم؟
قلنا: السلام هنا الدعاء لا خطاب ولا تحية.
والسلام إذا كان للدعاء فهو أجل وأعظم منه إذا كان للتحية كما قرر شيخ الإسلام ابن تيميه في اقتضاء الصراط.
فان قيل: إذا كان السلام للدعاء لا للتحية أو الخطاب فلِمَ أُتِي بكاف الخطاب الدالة على المخاطبة والمحاورة (السلام عليك أيها النبي) (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)؟!
فالجواب: ليس هذا بشيء!
فان الكاف هنا لمخاطبة المثال الذي استحضره المتكلم في قلبه للمخاطب فيتمثله في قلبه ويستحضره في لبه فكأنه حاضرًا بجسمه لا يطلب منه شيئًا وذلك لأنه يعلم من يقين نفسه أنه يخاطب المثال الذهني وليس الشخص الحقيقي وكذلك كل مسلم مؤمن يصلي على الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته وعند دخول المسجد وغير ذلك لا يأتي في خاطره لحظة أن النبي في قبره يسمع ذلك ولكن هو يستحضره مثال في قلبه ويخاطبه كأنه حاضر ماثل وهذا واضح لكل عاقل.
وهنا أضع القلم عن هذه القضية - سماع الموتى -: فقد لاحت الدلائل ووضحت البراهين على أن الموتى لا يسمعون إلا ما شاء الله لهم أن يسمعوه وما لم يرد بذلك نص صحيح فلا يلتفت قائل بخلاف ذلك - ولن نطيل أكثر من ذلك فإن في هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية وأما المكابر فإنه لا يسلم بالحق ولو شهدت عليه أعضاؤه. والله أعلم.
فإن قيل: على كل حال فالمسألة خلافية فقد قال بعض أهل العلم بسماع الموتى فلِمَ هذا النكير?!
قلنا: أما سماع الموتى فخلافية، وأما الطلب من الأموات فليست خلافية إلا إذا قصد بالخلاف ما وقع بين أتباع المسلمين وأتباع إبليس اللعين من المشركين فعندئذ نسلم لكم أن المسالة خلافية!
فأولياء الرحمن يقولون عن هذا شرك مبين!
وأولياء الشيطان يقولون: توسل ومحبة للصالحين!
فأي الفريقين أولى بالاتباع وأحق بإصابة الهدى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]!
ثم ليس جدلاً أن سؤال الميت عند قبره أن يدعوا لك أو يشفع عند الله فهل نَجُرُّ هذا الخلاف سؤالهم بعيدًا عن قبورهم؛ فهذا بأقصى الشرق والآخر بأقصى الغرب، وثالث بأقصى الشمال ورابع بأقصى الجنوب وخامس بقمم الجبال وسادس في الغابات والأدغال وسابع في معترك الأمواج وثامن في أغوار المحيطات وكلهم في وقت واحد يقولون يا سيدى البدوي! ادع الله أن يفرج كربي وأن يكشف غمي وأن يزيح ضري! اشفع لي عند الله! اسأل الله لي.......!
فهل هذا الميت الغائب يسمع ضجيج هذه الأصوات على اختلاف اللغات وتفنن الحاجات لا يشغله شان هذا الطالب الشفاعة لإنقاذ غريق عن الثاني الذي طلب الشفاعة لإطفاء حريق عن الثالث الذي طلب الدعاء لتوسيع الرزق عن الرابع الذي طلب الدعاء لتفريج الكرب وهم جميعًا يعتقدون أنه يسمعهم جميعًا ويطلع على أحوالهم جميعًا، ويتدخل في الوقت المناسب لينقذ الغرقى ويكشف البلوى بشفاعته المقبولة طبعا عند الله! إن هذا لشيء عجاب!
هل يقبل هذا عاقل? فضلا عن مسلم موحد يثبت لله الأسماء الحسنى والصفات العلى ويوحده في ذلك! إن هذا لا يكون ورب العرش العظيم إلا إذا كان اعتقد فيه بعض صفات الألوهية أو بعض نعوت الربوبية على أقل تقدير والله تعالى يقول ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ [النساء: 53] فـ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 180- 181].
فمسألة سماع الموتى ولهذا الشرك الأكبر والكفر الأظهر وإنما هي تكأة يتكئون عليها وشبهه واهية يلبسون بها على العوام والله من ورائهم محيط، يحصى أعمالهم ويعد آجالهم، وسيجزيهم بما كانوا يفترون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون؟!

‫#‏إلي_الحلقة_الثالثة‬ ←(3)(http://aboumoaz8.blogspot.com.eg/2015/12/3.html  )
_______________.....

كتبة الشيخ / أبوطارق _محمود بن محفوظ ..
( http://www.mahfoouz.com/play-827.html)
___________
شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق