عقيدة الشعراوي من ملفوظاته.
#الحلقةالثالثة_3ـــ
فقول الشعراوي: [حياة الحي لا مدخل لها في التوسل].
جوابه:
أن حياة الحي لا مدخل لها في التوسل الشركي والبدعي نعم، إذ لا فرق بين من صرف العبادة لحي أو ميت ليقربه إلى الله ويكون له شفيع في قضاء مآربه وتحقيق مطالبه، وكذلك التوسل البدعي بالجاه والحق والذات لا فرق فيه بين الحي والميت فظهر من ذلك أن الشعراوي لا يقصد التوسل الشرعي أصلاً ولم يرده قطعًا، وإنما أراد التوسل الشركي والبدعي إذ لا مدخل فيه لحياه الحي على حد قوله، والله أعلم.
ثم نقول: إذا كان الأمر كذلك وأن حياة الحي لا مدخل فيها للتوسل فكيف عدل الصحابة عن التوسل بالرسول وهو ميت إلى التوسل بالعباس وهو حي?!
فان قال: لوجود المناسبة بين العباس (الحي) وبين مقصود التوسل هنا (المطر) ولا مناسبة بين المطر وبين رسول الله لأنه (ميت)!
قلنا: وأي مناسبة بين (ذات فلان) و(جاهه) و(صلاحه) وبين مطلوبك أنت، فإن تمسكتم بالمناسبة بين المتوسل والمتوسل فيه، لزمكم التوسل الشركي والبدعي لعدم وجود تلك المناسبة وإن قلتم بعدم اشتراط المناسبة فلِمَ لَجَأتم إليه هنا?!
وأما قوله لمن منع من الشرك وذرائعه: [أنت تضيق واسع - كذا -]!
فجوابه: من لم يطهره البحر فلا طهره الله!
ومن لم تكفه السنة فلا كفاه الله، ومن لم يقنع بالتوحيد فلا قنعه الله!
من الذي يضيق الواسع? آلذي يفتح للناس كل السبل الشرعية للتوسل التي امتلأ بها كتاب الله وسنه رسوله ومصطفاه? آلذي يحيلهم على التوحيد أم الذي حرمهم منه وحرَّمه عليهم ووسع لهم من أبواب الشرك كل طريق?
فمن الأرفق ومن الأرفق? ومن الذي وسع ومن الذي ضيق?
﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31].
وقال: [لأن جعلت التوسل بحبك لمن علمت أنه أقرب منك إلى الله يبقى حبك هو الذي هينفعك حبك له].
جوابه: قد يبدوا لأول وهلة قرب هذا الكلام من كلام أهل الشريعة والتوحيد لأن التوسل بحب الصالحين والأنبياء والمرسلين عمل مشروع لأنه يدخل تحت التوسل بالعمل الصالح كما مضى فيقول الموحد: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك ولآله الطاهرين وأصحابه الطيبين أن تغفر لي وترحمني! وليس المعنى أن تتوسل إلى الله بحبك للصالحين قائلا: اللهم إني أسألك بحبي لعبادك الصالحين كذا وكذا فهذا التوسل غير معروف في الأوساط الصوفية والمستنقعات القبورية إلا على سبيل التلبيس أو التقية التي حملوها من إخوانهم الروافض والباطنية ويوضحه:
أنه قال: [اوعى تفتكر انه هيجيبلك اللي متستحقوش]. وقال: [يجاملك فيعطيك ما لا تستحق عند الله يكرهك ولا يسأل عنك]!! انتهى بلفظه وحروفه.
فهل الولي يعطى شيئًا أو يمنع شيئًا?
وهل الولي يملك شيئًا أصلًا?
وما هذه المرتبة التي أخذها (الولي الصوفي) عند الله لدرجة أنه فوض إليه أمر خليقته وأسند إليه التصريف في الكون بإذن الله طبعًا!!
وما الذي أوصله إلى هذه المرتبة التي من خلالها يقف حاجبًا على بابه أن يدخل من يشاء ويحجب من يشاء ويعطى من يشاء ويمنع من يشاء?
أليس هذا هو نفس اعتقاد المشركين في آلهتهم ﴿شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ [يونس: 18] ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ﴾ [الزمر: 3]!
أليس الرسول قال: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ﴾ [هود: 31]?!
وقال – تعالى - ﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأنفسهم نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الرعد: 16].
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا?
قوله: [فساعة يتوسل بواحد فهو يعتقد أن الواحد اللي هيتوسل به ميقدرش يعمل حاجة، يبقى خلصنا من الشرك ولا مخلصناش يبقى حتى الشرك ابعدوها!
وهل اعتقد أن الذي أتوسل إليه قادر والمتوسل به عاجز يبقى ده منتهى الإيمان!] انتهى.
وخلاصه هذا الكلام أن الشعراوي:
1- يعتقد أن الشرك هو: أن تعتقد أن الفاعلية في غير الله فمن اعتقد أن الفاعل هو الله وحده وأن الله هو القادر وحده فقد بريء من الشرك كله وخرج من الشرك دقه وجِلّه.
2- يقرر أن من اعتقد أن مخلوقًا ممن خلقه الله أنه عاجز لا يقدر على شيء وأن الله وحده هو القادر فقد بلغ منتهى اليقين ومنتهى الإيمان ولا شك أن كل الناس يرجون أن يبلغوا هذه الرتبة العليا والمنزلة الرفيعة فدونك الطريق يا سالك الطريق!
فلا عليك خوف ولا خشية، إن شئت قدست الأوثان، وعبدت القبور والصلبان، إذا أقررت بالقدرة القاهرة للواحد الديان وأن ما عداه عاجز من إنس ومن جان.
فنقول: سبحانك! هذا إفك وبهتان وهل تخلف عن هذه العقيدة أحد? وهل تخلف عنها الشيطان? لقد أقر الجميع بذلك إلا من جحد بلسانه وكشف الله لنا عما في جنانه فجميع المشركين قد أقروا بذلك لله رب العالمين وما أدخلهم ذلك إيمانًا ولا أذاقهم إسلامًا بل كان ذلك من تمام إقامة الحجة عليهم فلزمهم أن يفردوه بالعبادات كما أفردوه بالقدرة على جميع المخلوقات.
قال – تعالى -: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]!
وهاأنذا سوف أقدم إليك بعض النصوص المحكمات، والبراهين الساطعات على أن إقرار المشرك بوجود الله وبربوبيته وقدرته وأنه الخالق الرازق لكل شيء لا يكفي للحكم على صاحبه بالتوحيد إلا إذا تجرد من الشرك والتنديد:
قال تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: 63].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: 61].
﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)﴾ [النمل: 84- 89].
﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106].
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18].
﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 77].
﴿قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْـطِرْ عَلَيْنَا حِـجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: 32].
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: 19].
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ [قريش: 3].
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].
﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: 32].
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165].
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ إني يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: 30].
﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء: 102].
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أنفسهم ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14].
﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي...﴾ [الحجر: 39].
﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36].
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: 82].
ونحو ذلك من الآيات وهو في القران كثير جدًّا وكلها تدل على أن هؤلاء المشركين كانوا يوقنون بوجود الله وهل يشك المسلم في أن إبليس يوقن بوجود الله?!
وكذلك يقرون بأنه وحده هو الذي خلقهم ورزقهم وخلق السموات والأرض والعرش العظيم، وأنه هو الذي ينزل الغيث ويدبر الأمر، ومنهم من آمن بالبعث وبعض صفات الله – عز وجل - والتقرب إليه بأنواع من العبادات كالدعاء والاستغاثة والمحبة وغير ذلك وليس هذا بعجيب فالإقرار بوجود الله ومعرفته ومحبته داخلٌ في الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ كما قال الله – تعالى - ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30].
فمن المستحيل أن يقع هذا التبديل فيولد مولود على غير هذه الفطرة وعلى غير هذه الملة بحيث لو خلاه أبواه ومعلموه فلم يهودوه ولم ينصروه ولم يمجسوه لما شب إلا حنيفًا مسلمًا وذلك الإسلام المجمل الذي يفصل عن طريقه الوحي المنزل فتلك هي الفطرة المكملة للشرعة المنزلة وقال - عليه السلام - (كُلُّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جدعاء هل تحث بها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها).
وكما قال النبي فيما يرويه عن رب العزة - تبارك وتعالى - (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإن الشياطين اجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما قلت لهم).
فإن قيل: فما كان شرك المشركين وكفر الكافرين إذا كانوا مقرين بكل ذلك كما نطق بذلك القران ومع ذلك حكم عليهم بالشرك والكفران؟
فالجواب:
كان شركهم أنهم عبدوا معه غيره أو صرفوا لغيره خالص حقه من العبادة وهذا هو التنديد والتسوية والعدل التي ذكره الله – تعالى - في قوله عنهم، وقال – تعالى –: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 97- 98].
وقال – تعالى - ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1] وقال – تعالى -: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22].
ومعلوم أنهم لم يسووهم به في الخلق والرزق والتدبير والقدرة...
كيف وهم يقولون في تلبيتهم (لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك).
ولا يعكر على ذلك أن بعضهم نسب لله الولد كاليهود والنصارى فبعضهم نسب له البنات كمشركي العرب كما قال تعالى ﴿وَقَـالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَـالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: 30]، وقال تعالى ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: 57].
قال – تعالى –: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ وغير ذلك من الآيات فهذا كفر مستقل وذاك كفر مستقل كما قال تعالى ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ فنفى الأمرين وأبطل الشركين وفصل بين الكفرين. والله أعلم.
إذن فالشيخ الصوفي المفسر! لا يعرف حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل ولا يدرى حقيقة الشرك الذي حذرت منه الرسل.
قال شيخ الإسلام مجدد دعوة التوحيد:
(فإذا تحقق أنهم مقرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة كما كانوا يدعون الله ليلاً ونهارًا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له ومنهم من يدعوا رجلاًَ صالحًا مثل (اللاتّ) أو نبيًّا مثل (عيسى) وعرفت أن الرسول قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده كما قال – تعالى -: ﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] وتحققت أن الرسول قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستعاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دمائهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: (لا اله إلا الله) فإن (الإله) عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور لم يريدوا أن (الإله) هو الخالق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده، فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام ولا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، والحاذق منهم من يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا اله إلا الله)).
ثم قال - رحمه الله –:
(فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثير على دين الرسل يصدون بها الناس عنه منها قولهم:
نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يدبر الأمر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا فضلا عن عبد القادر أو غيره ولكن أنا مذنب! والصالحون لهم جاه عند الله وأنا أطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم وهو:
أن الذين قاتلهم رسول الله يقرون بما ذكرت ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشفاعة واقرأ عليهم ما ذكره الله في كتابه ووضحه، فإن قال:
هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبدون الأصنام فكيف تجعلون الصالحين كالأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا?
فجوابه: بأن الكفار منهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعوا الأولياء الذين قال فيهم: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57].
ويدعون عيسى وأمه وقد قال - تعالى -: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ إني يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: 75- 76].
وقال - تعالى -: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَـةَ وَالنَّبِيِّـينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 80].
ومنهم من يدعوا الصالحين كما قال تعالى ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ﴾ [النجم: 19] على قراءة التشديد وهو رجل كان يلت السويق للحجاج.
وقال – تعالى -: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23].
وهؤلاء رجال صالحون من قوم نوح عليه السلام فهل فرق رسول الله بين احد منهم ?بل قاتلهم جميعًا وكفرهم جميعًا
فإن قال قائل: الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء!! ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواءٍ!
واقرأ عليه قوله - تعالى - ﴿والذين وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
وقوله – تعالى -: ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]).
انتهى من كشف الشبهات بتصرف.
قوله: [يبقى خلصنا من الشرك ولا مخلصناش? يبقى حته الشرك ابعدوها]. انتهى.
قلت:
هذا كلام رجل لا يعرف الشرك -كما سبق - ولا يدرى خطورته بل يستهين به ويطلق عليه (حته الشرك) وقد عظم الله أمره فقال: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾[المائدة: 72].
وقال – تعالى - : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48] [النساء: 116].
وقال – تعالى - : ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
وقال - تعالى -: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31]. وغير ذلك كثير.
وإننا نسأل كلَّ صوفي قبوري ضال غوي ما هذا الذي أخبر الله أنه لا يغفره أبدًا وأن صاحبه مخلدٌ في نار جهنم وإن أتى بعمل كعمل النبي بل بعمل كل نبي!!
كما قال – تعالى –: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65].
وقال عن الأنبياء: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].
فما هذا الشرك؟
فإنه سيقول: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام!
وقد سبق جواب ذلك بأن المشركين الأولين ما كانوا يعتقدون فيها الربوبية وإنما فعلوا عندهم ما تفعلونه عند الأضرحة تمامًا.
ونقول لك أيضًا: قولك عبادة الأصنام هل مرادك مخصوص بهذا وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك فهذا يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
وعلى ذلك التفسير للتوحيد عند هذا القبوري الصنديد يكون أبا جهل اللعين وإبليس الرجيم قد بلغا منتهى الإيمان وذروة اليقين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
توسل عمر بالعباس - رضي الله عنهما -
قال الشعراوي عنه:
[هُوّ قال والآن نتوسل إليك بالعباس أم قال والآن نتوسل إليك بعم النبي? طيب ما هي رجعت له!
فالذين يمنعون بها يوسعوا الشقة على أنفسهم لأنه ليس فيه توسل بالنبي بل التوسل بمن يمت بصلة للنبي!
فالمسألة متدخلهاش في الغميق بالشكل ده.
لكن المتوسل به له صورتين – كذا –:
قد ينتفع وقد لا ينتفع فعمر لما توسل بالعباس عم النبي كان على مسألة المطر ودي ما ينتفعش بها رسول الله فجاب واحد من آل البيت يا رب عم نبيك عطشان اسقينا علشان خاطره]. انتهى بلفظه.
الجواب:
ولا حول ولا قوة إلا بالله هازم الأحزاب:
فأقول هذا يحتاج منا لوقفة متأنية مع توسل عمر بالعباس فلنأت للقصة من أولها، ولنستعرض القضية من بدايتها؛ لندرك حقيقة الأمر ولنقطع الطريق على إبليس فالله المستعان ومنه العون والسداد:
1- كان الصحابة – رضي الله عنهم – إذا نزل بهم ضر من بلاء أو قحط ونحو ذلك جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلبوا منه أن يدعو الله لهم فيدعو فيستجيب الله دعاءه ويكشف ما بهم من ضر.
أمثله:
5 عن أنس – رضي الله عنه – قال: أصاب الناس سنة على عهد النبي فبينما النبي يخطب على المنبر قائمًا في يوم الجمعة دخل أعرابي من أهل البدو من باب الزكاة وجاء المنبر ورسولُ الله قائمٌ فاستقبل رسول الله قائمًا فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا فرفع يديه يدعو حتى رأيت بياض إبطه: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) ورفع الناس أيديهم معه يدعون وإن السماء لمثل الزجاجة فطلعت من ورائه سحابه مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته – صلى الله عليه وسلم – فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فادع الله يحبسه لنا، فتبسم النبي فرفع يده فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وخرجنا نمشي في الشمس، يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته). رواه البخاري.
6 وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: شكا الناسُ إلى رسول الله قحوطَ المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يخرجون فيه، قالت: فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم.....) الحديث، وفيه: (ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع بدا بياض إبطيه) الحديث.
حسن. أخرجه أبو داود 1173 .
4 وعن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ادع الله لي أن يعافيني قال: (إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت فهو خير لك)؛ فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلى ركعتين ويدعو الله بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهم فشفعه فيّ وشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ).
صحيح: أخرجه أحمد 4\138 وصححه الألباني في التوسل ص75 .
9 وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما سمع بي أحد يهودي ولا نصراني إلا أحبني، إن أمي كنت أريدها على الإسلام فتأبى فقلت لها فأبت؛ فأتيت النبي فقلت: ادع الله لها؛ فدعا الله، فأتيتها وقد أجافت عليها الباب، فقالت: يا أبا هريرة إني أسلمت؛ فأخبرت النبي: فقلت ادع الله لي ولأمي، فقال: (اللهم عبدك أبو هريرة وأمه أحبهما إلى الناس).
حسن - الأدب المفرد رقم 34.
هـ- وعنه - رضي الله عنه – أيضًا: قال جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله ادع الله لي فقال: (إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك) قالت: بل أصبر ولا حساب علي. صحيح. رواه بن حبان - الترغيب رقم 3419 .
27 وعن خباب قال: أتينا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم - وهو متوسّد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا.........0 الحديث.
صحيح. رواه أبو داود برقم 2649.
وهكذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - مع نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابهم بلاء توسلوا إلى الله في كشف هذا البلاء بوسيلة من أعظم الوسائل الشرعية وهي دعاء النبي لهم فهذا الأعرابي يطلب منه أن يدعو الله لهم بالسقيا، وآخر أن يدعوا الله بصرفه بعيدًا عن المنازل، وثالث يطلب منه أن يدعو له برد بصره، ورابع يطلب منه أن يدعوَ لأمة الإسلام، وخامس يطلب الدعاء بالنصر والتمكين، وتلك أخرى تطلب الدعاء بالشفاء والعافية، وغيرهم الكثير والكثير وفي كل ذلك يدعو لهم رسول الله ويستجيب الله له فهذا دأبهم مع نبيهم ودأبه معهم فهل رأيت واحدًا منهم قعد في بيته وتوسل إلى الله في شيء من مطلوباته بذات نبيه أو جاهه عند الله أو حقه أو حرمته قائلا - مثلا -:
أسألك بجاه نبيك أو بحقه وحرمته كذا وكذا أو (يا رب علشان خاطر نبيك) ونحو هذه العبارات هل وقع ذلك ولو مرة واحدة اللهم لا.
2- فلما جاء الأجل المكتوب واختار الرفيق الأعلى ظلوا على هذا الدرب المستقيم والمنهج القويم الذي تلقوه من نبيهم لم يحدثوا بدعة ولم يميتوا سنة.
أمثلة :-
أ- عن أنس - رضي الله عنه - أن عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. رواه البخاري.
فقام العباس فقال: اللهم لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة. وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث قال: فأرخت السماء مثل الجبل حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. صحيح - الفتح 3/ 150 .
2 وعن سليم بن عامر الخبائري: أن السماء قحطت فخرج معاوية على المنبر قال أين يزيد بن الأسود الجرشي? فناداه الناس فأقبل يتخطى الناس فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا الله إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشى يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان أوشك أن ثارت سحاب في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كان الناس أن لا يبلغوا منازلهم.
رواه ابن عساكر في تأريخه وأبو زرعة في تأريخه وصححه الألباني 45 .
3 وعن الضحاك بن قيس أنه خرج يستسقي بالناس فقال ليزيد الأسود قم يا بكاء! زاد في رواية فما دعاء إلا ثلاثًا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه.
رواه ابن عساكر وصححه الألباني 45 .
ونلخص مما سبق النتائج التالية:
1 على طريق النبي مضى أصحابه من بعده فكانوا إذا أجدبوا أو قحطوا ونحو ذلك توسلوا إلى الله بدعاء صالحيهم من الأحياء فيدعون لهم فيستجيب الله لهم.
2 وأحيانًا كانوا لا يكتفون بذلك بل كانوا يقومون هم أيضًا بالأعمال الصالحة يتوسلون بها مع الوسيلة الأولى فيدعون بأنفسهم أو يؤمنون على دعاء من يدعوا لهم.
3 لم يعرف في زمن النبي أن أحدًا من الصحابة توسلوا إلى الله بجاه النبي عنده ولا شك أنه عظيم، ولا دل رسول الله أحدًا على ذلك رغم قيام المقتضى وانتفاء المانع وتعدد الوقائع والنوازل.
فإن قيل وجود النبي بينهم أغناهم من التوسل بجاهه وحقه وذاته وحرمته!
قلنا:
لكن النبي رسول إلى الناس كافة وإلى الورى عامة فكيف لا يبين جواز ذلك للأجيال اللاحقة التي لم تأت بعد وهو يعلم أن لهم حاجات تقتضيها طبيعة البشر فكيف يكتم ذلك ولا يبينه ولو مرة واحدة بقول أو فعل أو تقرير كيف?! وهو الذي وصفه ربه - عز وجل – قائلا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يدل على أنه عمل غير مشروع أصلاً.
6 لم يعرف أن الصحابة - رضي الله عنهم – فعلوا ذلك من بعده أو التابعين لهم بإحسان أو تابعيهم فلم يصح عن واحد منهم أنه إذا جاءت مصيبة أو نزلت به نازلة توسل في دعائه بجاه النبي أو أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو... إلخ. أو حقهم أو حرمتهم أو ذاتهم أو خاطرهم أو......إلخ. وهؤلاء هم خير السلف، قال – تعالى - ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.......) فلو كان خيرا لسبقونا إليه!
7 أن هذا الإطباق من هذه القرون المفضلة والأجيال الفاضلة على ترك هذا النوع من التوسل رغم قيام المقتضى وعدم المانع ورغم أنهم أحرص منا على الخير وأفهم لكلام النبي ومقاصد الشريعة وما يجوز وما لا يجوز: لَمِن أكبر الأدلة على أنه عمل غير مشروع بل هو إحداث دينٍ لم يأذن به الله.
قال – تعالى - ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
توسل عمر بالعباس في ضوء ما سبق:
في ضوء ما سبق يتضح توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما من خلال النقاط التالية:
3 عند حلول النكبات ونزول الملمات والكربات، يفزع الناس إلى أعظم الوسائل لتخطى هذه العقبة وتجاوز هذه المحنة، "وعام الرمادة" مجاعة عامة وقحط شديد نزل بالأمة الإسلامية في زمن عمر - رضي الله عنه - حتى حلف بالله ألا يأكل سمينا حتى يخصب الناس.
4 لم يتجه عمر والصحابة معه إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيشكون إليه حال الأمة أو يطلبون أن يستسقي لهم ولا شك أن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - لهم أرجى للقبول وأعظم بركة وآكد وسيلة إلى الله فليت شعري لم تركوا هذا الخير كله!!!
5 كذلك لم يجتمعوا ويرفعوا أيديهم متضرعين متوسلين قائلين: "اللهم إنا نتوسل إليك بجاه نبينا أو حرمته أو حقه أو ذاته أن تسقينا"! وهم يعلمون يقينا أن جاهه أعظم من جاه العباس بل من جاه جميع الناس، بل من جاه جميع الخلق – إن شاء الله – فلماذا هذا الترك لماذا?
6 لعلهم قصروا في تقديرهم للنبي؟ اللهم لا وحاشاهم – رضي الله عنهم –.
7 لعلهم أرادوا مجاملة العباس? اللهم لا وحاشاهم – رضي الله عنهم –.
8 لعلهم أرادوا أن يتوسلوا بالمفضول مع وجود الفاضل لبيان الجواز للأجيال اللاحقة? اللهم لا. وحاشاهم – رضي الله عنهم – أن يفعلوا ذلك مع النبي وهم الذين لم يحتملوا ولم يصبروا على إمامة خير الأمة بعد نبيها ألا وهو الصديق، لما حضر النبي - صلى الله عليه وسلم – وصفقوا، حتى كان رسول الله هو الذي كان بنفسه يشير للصديق!
فكيف يفعلون ذلك مع غير الصديق وفي هذا الظرف العصيب!!
وهب أن شيئًا من هذه الأشياء كان منهم في تلك المرة، أفيجوز أن يكون في كل مرة?!
وتأمل الرواية (كانوا إذا قحطوا توسلوا بالعباس)! وكان تدل على الدوام- غالبًا -!
وهب أن الأمر خفي على عمر - رضي الله عنه – فهل خفي على جميع المهاجرين والأنصار الذين كانوا في زمنه?!
وهب أنه خفي على جمهورهم في وقت ما فهل يخفي عليهم جميعًا إلى موت عمر - رضي الله عنه -؟!
وهب أن الأمر كذلك فهل يستمر هذا الجهل إلى زمن معاوية فيتوسل بالأسود بن يزيد الجرشى، تاركًا التوسل بجاه النبي وأبي بكر وعمر لو كان ممكنًا؟!
اللهم إن القول بجواز مثل ذلك فيه تضليل وتجهيل للصحابة والتابعين بإطلاق!
وهذا إلى الكفر والفسوق أقرب منه إلى الإيمان! والله أعلم.
والآن نعود إلى كلام الشعراوي:
قال: [هوّ قال: والآن نتوسل إليك (بالعباس) أم قال (بعم نبينا)? طيب ما هى رجعت له]. انتهى بلفظه.
والجواب:
من تأمل ما سبق بيانه ظهر له أن هذا الكلام مبني على مغالطة مكشوفة وهي أن توسل عمر بالعباس كان توسلاً بذاتِهِ أو جاهه أو حرمته أو حقه وليس توسلاً بدعائه أصلاً!!
فجاء بقرني حمار!
ففي رواية صحيحة أنه توسل بدعاء العباس لا بذاته ولا بجاهه ولا غير ذلك.
الأدلة على ذلك:-
1 ذكر الزبير بن بكار في رواية صحيحة دعاء العباس - رضي الله عنه – وهي: (فقام العباس فقال: اللهم لم ينزل البلاء إلا بذنب ولم يرفع إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث). التوسل للألباني.
2 لو كان توسل عم بالعباس توسلا بذاته أو جاهه ونحو ذلك لكان المتحتم بذات النبي وجاهه ونحو ذلك وقد حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
3 أن عمر سوّى بين التوسلين فقال: (كنا نتوسل إليك بنبينا) و (إنا نتوسل إليك بعم نبينا) فعُلِم أن التوسلين من نوع واحد إذ من غير المقبول في بداهة العقول أن يكون قول الفاروق الذي جعل الله الحق على قلبه ولسانه بمعنى: (كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا وإنا نتوسل إليك بجاه عمه)!! فهذا لا يقوله أعجمي فكيف بصحابي عربي ملهم محدث?!
وقد دلت الأدلة السابقة في أول الفصل على أنهم كانوا يشكون ذلك للنبي في حياته فيدعو لهم وهم يؤمِّنون، فيُسْقون الغيث فالتُزِم بالضرورة أن يكون توسلهم بالعباس من هذا الجنس وهذا ما شهدت له الرواية الصحيحة.
فاجتمع العقل الصريح مع النقل الصحيح على ما ذكرناه. والحمد لله.
وتأمل! كيف توسل العباس هو الآخر بالعمل الصالح في دعائه وهو التوبة والاعتراف بالذنب وتسبيح الرب عند ظلم الخلق فما أعظم التوحيد في قلوب هؤلاء الصحابة الأبرار وما أعظم فقههم وعلمهم وحمايتهم بجانب التوحيد ورعايتهم لكل ذريعة توصل إلى الشرك أو تنتهك حمى الشريعة، - رضي الله عنهم أجمعين – .
فإذا انكشفت هذه المغالطة وظهر أن توسل الصحابة بالعباس كان توسلاً بدعاء الرجل الصالح الحي لهم وليس توسلا بذاته ولا جاهه! علمنا أن التقدير الذي لا يصح غيره (كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بدعاء عم نبينا فاسقنا).
فإن قيل: لِمَ قال عمر (نتوسل بعم نبينا) ولم يقل (بالعباس)?!
الجواب: فضل آل بيت النبي لا ينكره إلا فاسق ناصبي! أما أهل السنة والجماعة فيعدون من أصولهم المقررة وقواعدهم المحررة صحبة آل بيت نبيهم- صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - في العقيدة الواسطية: (ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصيه رسول الله حيث قال يوم غدير خمّ: (أُذكِركم الله في أهل بيتي) وقال للعباس عمه (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) وقال (إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى قريشًا واصطفى من قريش بني هاشم).
وقال في الفتاوى (3/407) : (آل بيت رسول الله لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حق في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله فقال لنا قولوا: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد00 وبارك على محمد وعلى آل محمد) (وآل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة لقوله (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد). وقد قال – تعالى – : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33] وحرم عليهم الصدقة لأنها أوساخ).
وقال ابن كثير - رحمه الله – :
(ولا ننكر الوصاية بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وُجِد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته - رضي الله عنهم أجمعين-).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله – :
(وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله حقوقًا فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد بل من الغلو). [الرسائل الشخصية: 2/ 284].
وقال أيضًا:
(وإذا كان -سبحانه- قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدركوا محمدًا على الإيمان به، ولابد من نصرته، لا يكفي أحدهم عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم بأهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته - صلى الله عليه وسلم -). [الرسائل الشخصية: 1/ 312].
وأولى الناس برعاية حق آل بيت نبيهم هم الصحابة - رضوان الله عليهم-.
فكأنما آل النبي وصحبه روح يضم جميعها جسدان
وفي صحيح البخاري: قال أبو بكر: ارقبوا محمدًا في أهل بيته.
وقال لعلي: والله لقرابة رسول الله أحب إلي من أن أصل قرابتي.
وقال عمر للعباس: والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.
وانظر إليه رضي الله عنه لما وضع الديون بدأ بأهل بيت رسول الله!
فاختيار عمر للعباس رضي الله عنهما ليدعو لهم وليستسقى لهم دون غيره كان لأسباب:
منها أنه من آل البيت الذين قال الله فيهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]. لذا حرمت عليه وعلى بنيه الزكاة والصدقة.
قال شيخ الإسلام في مسألة رأس الحسين عقب حديث: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي) قال:
(فإذا كانوا أفضل الخلق فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال). انتهى.
وهذا الفضل ليس لذات العباس ولا لذات غيره من آل البيت، وإنما لقربهم من النبي تفضيلا من الله وإنعامًا، ومِنَّةً وإحسانًا – رضي الله عنهم –.
وقال شيخ الإسلام في رسالته عن آل البيت معلقا على دعاء النبي لعلي وفاطمة وسيدَي شباب أهل الجنة (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا) قال:
(فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليسبغها عليهم رحمة من الله وفضل لم يبلغوها بمجرد دخولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم-). انتهى.
وذكر عن زين العابدين أنه قال: إني لأرجو أن يعطي الله المحسن منا أجرين وأخاف على المسيء منا وزرين!!
قلت:
كذلك العباس من أفاضل الصحابة وصالحيهم وخيارهم وكان يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الوالد،
لذا قال عمر (عم نبينا) وقال العباس (لمكاني من نبيك).
زد على ذلك أن تقريب الصحابة لآل البيت وتقديمهم ومحبتهم هذا من الأعمال الصالحة التي يتقربون بها إلى الله – عز وجل - .
زد على ذلك أن العباس كان أكبر منهم سنًّا وذلك أيضًا أرجى للقبول كما قال - عليه السلام -: (إنما تنصرون وترزقون بضعفاءكم ..بدعوتهم..).
فاختيار عمر للعباس - رضي الله عنه – كان لأسباب كما ذكرنا وخلاصتها:
1 قرابته ومكانته من النبي - صلى الله عليه وسلم –.
2 صلاحه وتقواه.
3 سنه وشيبته.
4- أضف إلى ذلك ما ذكرته من أن تقديم آل البيت توسل آخر وهو التوسل بالعمل الصالح وهو محبة آل بيت النبي فما أعظم هذا الفاروق الذي جعله الله فرقانا بين الحق والباطل.
وبذلك يطيح كلام الشعراوي ويتجرد من العلمية والتأصيل، وإنما هو كلام عاطفي إنشائي لا علم فيه ولا توحيد بل فيه فتنة للعوام وإغراؤهم بما فيه هلاكهم.
فهل ترى موضعًا للحقيقة في قوله: (فجاب واحد من آل البيت وقال: يا رب عم نبيك عطشان اسقينا علشان خاطره)!
أم هذا خطأ ظاهر؟ فليس في كلام عمر توسل بالجاه ولا بالخاطر لا لفظًا ولا تقديرًا ولا ظاهرًا ولا تأويلًا.
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
وكذلك يظهر السقوط المزري لما قاله الجاهل الآخر- المفتي - الذي أجاز التبرك ببول النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال عن توسل عمر بالعباس:
[سيدنا العباس كان عنده بيت وسيدنا عمر خد البيت منه عشان يوسع المسجد وخده غصب منه سيدنا العباس تأثر في نفسه وسيدنا عمر زعل لأنه هو زعل العباس والنبي قال (عم الرجل صنو أبيه) وقال: (اتقوا الله في عمي) فسيدنا عمر كان بيترعش من خوف الله فخاف لَحْسَن يكون العباس زعل منه فكان تمللى يدِّيلُه الحِتَت دي، فلما جه يبص كده لقي العباس قال: أهَى فرصة إني أنا أبين له إنه هو عزيز عليَّ، وإنه هو أنا مش بقول عليه إنه راجل وحش ولا كذا لا قدر الله، ده راجل من كبار الأولياء وكذا، فراح عاطي له الحته دي.
لأنه ده يعد أبو النبي فلما قابله وهو مزعله قال: اللهم إنا كنا نستسقى بنبيك، نستسقى الآن بعم نبيك! ياه! فرَّحت العباس دهه، خلته فرحان افهموا الكلام عيشوا معاهم). أ.هـ.
من ملف صوتي بصوته ولفظه.
قلت:
لا يحتاج هذا الهراء والكذب والبهت والتنقيص للصحابة إلى تعليق على حد قول القائل:
لـي حيلة فيمــن ينـم وليس في الكذب حيلة
من كان يخلق ما يقول فحيلتـي فيهم قليلة!!
قال الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى –:
(أما التوسل بجاهه - صلى عليه وسلم – أو بذاته أو بحقه أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم فمن البدع التي لا أصل لها بل من وسائل الشرك لأن الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أعلم الناس بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبحقِّه لم يفعلوا ذلك ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، ولمّا أجدبوا في عهد عمر بن الخطاب لم يذهبوا إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - ولم يتوسلوا به ولم يدعوا عنده، بل استسقى عمر - رضي الله عنه – بعمه - صلى الله عليه وسلم - العباس بنِ عبد المطلب - رضي الله عنه - وهو على المنبر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقيَنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيُسقَوْن). رواه البخاري في صحيحه.
ثم أمر - رضي الله عنه - العباسَ أن يدعو فدعا وأمَّن المسلمون على دعائه فسقاهم الله – عز وجل -.
أما التوسل بجاه فلان أو حقه أو ذاته فهذا من البدع المنكرة ومن وسائل الشرك.
وأما دعاء الميت والاستغاثة به فذلك من الشرك الأكبر، والصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يدعوَ لهم وأن يستغيث لهم إذا أجدبوا، ويشفع في كل ما ينفعهم حين كان حيًّا بينهم فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - لم يسألوه شيئًا بعد وفاته ولم يأتوا إلى قبره يسألونه الشفاعة أو غيرها، لأنهم يعلمون أن ذلك لا يجوز بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم- وإنما يجوز ذلك في حياته - صلى الله عليه وسلم - قبل موته، ويوم القيامة حين يتوجه إليه المؤمنون ليشفع لهم ليقضيَ الله بينهم ولدخولهم الجنة). انتهى.
تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام 20 .
قوله: [فالمسألة ما تدخلهاش في الغميق بالشكل ده]. انتهى بلفظه.
الجواب:
أن الصوفية لم يكتفوا بهجر التوسل الشرعي بأقسامه، ولا بهجر تعليمه للناس وحضهم عليه وترغيبهم فيه، بل تعدّوا ذلك إلى التوجه صوب التوسل البدعي فاستفرغوا فيه وسعهم عملاً ودعوةً ودفاعا عنه! ولم يقفوا عند هذا الحد بل تجاوزوه إلى التوسل الشركي بدعاء الموتى والاستغاثة بهم في الملمات، والذبح لهم على العتبات، والنذر لقبورهم وأضرحتهم طلبًا لتفريج الكربات، من دون رب الأرض والسموات، حتى وصفهم بعض الشعراء فقال:
أحياؤنا لا يـرزقــون بـــدرهـمٍ وبألف ألف تــرزقُ الأمــوات
من لـي بحـظ النائمـيـن بحفرة قامت على أعتــابها الصلوات
يسعى الأنـام لها ويـجـرى حولـهــا بحـر النذور وتقــرأ الآيــات
ويقال هذا (القطب) باب المرتضـى ووسيله تقضى بها الحاجـات
وأهل السنة لمّا حاربوا التوسل البدعي لأنه:
أولاً: ليس بوسيلة أصلاً فلا يتحقق به المقصود.
وثانيًا: لأنه لا يتقرب به إلى الله.
وثالثًا: لأن صاحبه آثم مبتدع.
ورابعًا: لأنه ذريعة إلى التوسل الشركي.
أقول:
ألا يستحق الشرك أن يُخافَ منه كل هذا الخوف؟! ألا يستحق أن يغلق كل بابٍ يُوَصِّل إليه وتسد كل ذريعة تفضي إليه؟!
ألم يخفه الخليل على نفسه وأولاده فدعا الله قائلاً: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]، وذكر السبب في ذلك فقال: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 36]!!
ألم يخفه رسول الله على أصحابه لما خرج عليهم وهم يتذاكرون الدجّال؟ فقال: (ألا أخبركم بما هو خوفا عليكم عندي من المسيح الدجال؟
قالوا: بلى، قال: الشرك الخفي! رواه احمد وحسنه الألباني (صحيح الجامع 2607).
فإذا كان رسول لم يأمنه على أصحابه فكيف نأمنه على أنفسنا؟!
وإذا كان - صلى الله عليه وسلم - خافه على أفضل جيل وأعظم قرن أكبر من خوفه عليهم من الدجال، فكيف لا نخافه على العوام والدهماء، بل وعلى أشباه الأنعام؟!
بلى والله!
إننا نخاف الشرك الأكبر والأصغر، على أنفسنا وإخواننا ونسائِنا ورجالنا، ولا نأمنه طرفة عين.
وكيف نأمنه وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يُزِيغَ قلب عبد أزاغه؟!
فإن قيل:
أليست الأمة قد سلمت من الشرك ودخل الناس في دين الله أفواجا، وظهر دين الله علي جميع الأديان كما قال تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة:33]!
ألم يقل النبي: (إن الشيطان قد أَيِسَ أن يعبده المصلون في جزيرة العرب).
ألم يقل النبي: (والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي). وقد رواه البخاري ومسلم؟!
الجواب بعون الفتاح العليم! وهو خير الفاتحين، من خلال هذه النقاط:
أولاً: الجمع بين النصوص الصحيحة هو المتعين، لا أن نضرب بعضها ببعض ونؤمن ببعضها ونكفر ببعض، فالكل من عند الله وقد قال - سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا - : ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
ثانيًا: ثبت ثبوتًا قطعيًّا لا يقبل النقض، ولا يتطرق إليه أدنى شك أن بعض هذه الأمة قد وقع في صورٍ من الشرك الأكبر، لا يمكن أن تتعامى عنه العيون، ولا يمكن أن يجحده العاقلون:
اقرؤوا التاريخ إذ فيه عبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أ- إدعاء النبوة من الكاذبَين (مسيلمة) و (والأسود العنسي) وانحاز للأول (أهل اليمامة) وانحاز للثاني (أهل صنعاء) وغيرهم.
ب- ووقوع الردة بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – مباشرة، وكان أهل الردة أصنافًا:
فمنهم من اتبع مدعي النبوة كما سبق.
ومنهم من جحدوا الزكاة ومنعوها.
ومنهم من ارتد عن الإسلام وعاد إلى عبادة الأوثان.
جـ- في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ظهرت طائفة السبئية الذين ألَّهوا عليًّا وقالوا له: أنت ربُّنا، فحرّقهم بالنار وقال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا أججت نارى ودعوت قنبرا
د- ظهور القرامطة: الذين أجمعت الأمة على كفرهم حيث أعلنوا الكفر بأقوالهم وأفعالهم الصريحة وكان مقرُّهم (البحرين) وأغاروا على (مكة) وقتلوا الحجيج وردموا زمزم بجثث الحجاج، وجعل قائدهم يقول:
أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل
وقال أيضًا:
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبًّا
لأنا حججنا حجة جاهليةً مجللة لـم تبقِ شرقًا ولا غربًـا
هـ- وما زالت تظهر في الأمة طوائفُ تعلن الكفر صراحةً وتنسب إليه جهرةً، ويتبعها أقوامٌ من العوام والنساء وغيرهم ممن يشهد الجميعُ بكفرهم كالدروز والباطنية والقاديانية والبابية والبهائية وغير ذلك من فرق الكفر البواح والشرك الصراح، وسيستمر ذلك حتى يبعث الله ريحًا طيبةً فتقبض روحَ كلِّ مؤمن، ويبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى الوثنية جميعًا، فلا يبقى على ظهر الأرض موحدٌ يقول: لا إله إلا الله!
3- أن أهل العلم قد وفَّقوا بين هذه النصوص، وجمعوا بينها وردُّوا المتشابه منها إلى المحكم، شأن الراسخين من أهل العلم في كل زمان وذلك على أحد الأوجه التالية:
أ- أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الشيطان قد أيِسَ...). الحديث. مجردُ إخبار عن حال الشيطان وما اعتراه من يأس وقنوطٍ حين بُهِرَ بانتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجًا.
ويأس الشيطان ليس حجة على أحد ولا لأحد، فهو مخلوق يطرأ على ظنونه وتقديراته ما يطرأ على ظنون وتقديرات غيره من خلق الله ثم يتبين بعد ذلك خطؤه، وبعده عن الصواب.
لكن سرعان ما عاد إليه الأمل بعد أن رأى أمواج الردة وأفواج المرتدين بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم -، فلم يدم يأسه طويلاً حتى عاد إليه الأمل في أن يعبده الناس مرةً أخرى بأي شكلٍ من أشكال وصور عبادة الشيطان، وقد كان!
فإن قيل: سلّمنا أن الشيطان قد يطرأ عليه سوء التقدير والخطأ في الظن ولكننا نستدل بحكاية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الخبر عن الشيطان ألا يدل ذلك على إقراره على يأسه ذلك؟!
فالجواب: قد أجاب أهل العلم بالوجه التالي:
ب- أن قوله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب): ليس على عمومه، بل هو مخصوص بزمن معين، أو بأُناس معينين وهم الصحابة - رضوان الله عليهم - ومعلوم عند أهل الأصول أن العام قد يدخله التخصيص، وقد يراد به الخصوص ابتداءً، فالأولى يسمى عندهم: (العام المخصوص) والثاني يسمى: (العام الذي أريد به الخصوص). والله أعلم.
جـ- وهناك وجه آخر يحتمله الدليل وهو أن الذي لم يخفه رسول الله على أمته هو أن ترتد الأمة جميعًا وتكفر عن بكرة أبيها. وهذا الذي يأس منه الشيطان وهذا حقٌّ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة فكيف تجتمع على الشرك؟ّ!
وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله).
وبعد ذلك تأتي الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين ولا يبقى إلا شرار الخلق فيرجعون لدين آبائهم من عبادة الأصنام. والله أعلم.
وبعد،
فإذا تطرقت كل هذه الاحتمالات إلى ما ساقوه من الشبهات على عدم وقوع الشرك في هذه الأمة، فعند العلماء مقرر بلا جدال أن الدليل إذا تطرقت إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فكيف بكل هذه الاحتمالات القوية والأوجه المحتملة؟! والله – تعالى - أعلم.
راجع :القبورية في اليمن نشأته وتاريخه وموقف العلماء منه صـ 87 وما بعدها للشيخ أحمد حسن المعلم.
هذا فيما يتعلق بالشرك وأما البدعة:
فأمرها خطير وضررها عظيم وقد جاء ذمها في القران والسنة وفي كلام سلف هذه الأمة فأما القران الكريم فقد قال – تعالى –: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] وقال – تعالى – : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]. وقال – تعالى - ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21].؟!
وأما السنة المطهرة:-
1- فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
وفي رواية مسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
2- وقال أيضًا – صلى الله عليه وسلم -: (إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة). رواه مسلم،3- وزاد النسائي: (وكل ضلاله في النار) وصححها الألباني.
4- وقال - عليه الصلاة والسلام -: (إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة). رواه أحـمد وصححه الألباني.
5- وقال أيضًا (من أحدث حدثا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأما الآثار:-
1 عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (إياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم بالأمر العتيق).
2 وعن ابن عباس- رضي الله عنه - قال: (عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع).
3 وعن ابن مسعود – رضي الله عنه - قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالـة).
4 وعنه أيضًا - رضي الله عنه - : (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة) .
5 وقال ابن عمر: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة).
6 وقال أيوب السيختياني - رحمه الله - : (ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد من الله بعدًا).
7 وقال حسان بن عطية - رحمه الله - : (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزغ الله من سنتهم مثلها).
8 وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : (من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه).
9 وقال سفيان الثوري - رحمه الله - : (من أصغى بأذنـه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله).
10 وقال أبو الجوزاء - رحمه الله –: (لأن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل هذه الأهواء).
ثم نقول: أليست البدعة استدراك على الشرع؟! أليست قولاً على الله بغير علم؟! أليست اتهامًا للنبي بالخيانة والكتمان وعدم البلاغ؟! أليست اتهامًا للصحابة بالجهل والتفريط وعدم الحرص على الخير وعدم تبليغ الشريعة كاملة؟! أليست هدفًا للدين وتغييرًا للشريعة؟! أليست البدعة أشر من المعصية؟!
قال سفيان: (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية فإن المعصية يُتَابُ منها والبدعة لا يتاب منها)!
فهل بعد ذلك يُقبَل كلام - الشعراوي في مسائل بعضها شرك وبعضها بدعة: (والمسألة متدخلهاش في الغميق بالشكل ده)؟!!
قوله: [لكن المتوسل به له صورتين قد ينتفع وقد لا ينتفع فعمر لما توسل بالعباس - عم النبي - كان على مسألة المطر ودي ما ينتفعش بها رسول الله فجاب واحد من آل البيت وقال يا رب عم نبيك عطشان فاسقنا علشان خاطره]. انتهى بلفظه.
فالجواب:
أولاً: هذا التقسيم لا أصل له في الشريعة فأين الدليل على اختلاف الحكم فيما إذا كان المتوسل به ينتفع أو لا ينتفع بالمتوسل فيه ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111].
ثانيًا: قوله: [عمر لما توسل بالعباس].
نقول عمر - رضي الله عنه - عربي أصيل في عربيته يعلم معنى التوسل بخلاف هؤلاء القبورية الجهلة باللغة والشرع وإن حصلوا فيها على شهادات!
فالتوسل بالرجل الصالح عند عمر وغيره هو التوصل إلى تحقيق المراد باتخاذ وسيلة تحققه.
وأما التوسل عند القبوريين فهو قول المتوسل في دعائه وتوسله: "اللهم لأجل فلان أولجاه فلان أو كما قال (علشان خاطره) كذا وكذا" فهم يكتفون بذكر اسم المتوسل به في دعائهم وهذا ما لم يفهمه عمر ولا غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - وهذا بخلاف أنواع التوسل الأخرى.
فالتوسل بأسماء الله وصفاته يُذْكَرُ فيها الاسم أو الصفة فنقول: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم"!
وذلك لأن أسماء الله وصفاته يتقرب إلى الله بذكرها فهي عبادة بخلاف أسماء الأولياء والصالحين فتنبه ولا تكن من الغافلين!
وكذلك لوجود أعظم مناسبة بين طلب الرحمة وبين اسم الله الرحيم، وطلب المغفرة وبين اسم الله الغفور. وهكذا.
وكذلك التوسل بالعمل الصالح الذي قام به المتوسِّل نفسه لورود النص به ولوجود المناسبة بين العامل وطلبه، فكما تعرَف ربّه في الرخاء، فهو يدعو الله أن يعرفه في هذه الشدة.
ثالثًا: ولو سلمنا جدلاً بهذا التقسيم المبتدع لكان قاصمة ظهر القبورية ما بعدها قاصمة!
لأننا نطالبهم وفقًا لهذا التقسيم بألا يتوسلوا بأحد من الأموات أصلاً نبيًّا ولا وليًّا لأنه لا ينتفع بشيء مما يتوسل به هؤلاء المتوسلون!!
﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: 118- 119]. والحمد لله رب العالمين.
لكن قد يقال: إن سكوت الاستدلال بتوسل عم بالعباس - هذا السقوط المدوي! الذي سبق بيانه - لا يستلزم عدم وجود دليل آخر يُسْتَفَادُ منه جواز التوسل بالجاه، والحق، والذات، ونحو ذلك.
فهاهنا حديثٌ صحيحٌ وهو توسل الضرير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في رد بصره وهناك توسل: #إلي_الحلقة_الرابعة_←.(4)(http://aboumoaz8.blogspot.com.eg/2015/12/4.html )
_______________.....
كتبة الشيخ / أبوطارق _محمود بن محفوظ ..
( http://www.mahfoouz.com/play-827.html
#الحلقةالثالثة_3ـــ
فقول الشعراوي: [حياة الحي لا مدخل لها في التوسل].
جوابه:
أن حياة الحي لا مدخل لها في التوسل الشركي والبدعي نعم، إذ لا فرق بين من صرف العبادة لحي أو ميت ليقربه إلى الله ويكون له شفيع في قضاء مآربه وتحقيق مطالبه، وكذلك التوسل البدعي بالجاه والحق والذات لا فرق فيه بين الحي والميت فظهر من ذلك أن الشعراوي لا يقصد التوسل الشرعي أصلاً ولم يرده قطعًا، وإنما أراد التوسل الشركي والبدعي إذ لا مدخل فيه لحياه الحي على حد قوله، والله أعلم.
ثم نقول: إذا كان الأمر كذلك وأن حياة الحي لا مدخل فيها للتوسل فكيف عدل الصحابة عن التوسل بالرسول وهو ميت إلى التوسل بالعباس وهو حي?!
فان قال: لوجود المناسبة بين العباس (الحي) وبين مقصود التوسل هنا (المطر) ولا مناسبة بين المطر وبين رسول الله لأنه (ميت)!
قلنا: وأي مناسبة بين (ذات فلان) و(جاهه) و(صلاحه) وبين مطلوبك أنت، فإن تمسكتم بالمناسبة بين المتوسل والمتوسل فيه، لزمكم التوسل الشركي والبدعي لعدم وجود تلك المناسبة وإن قلتم بعدم اشتراط المناسبة فلِمَ لَجَأتم إليه هنا?!
وأما قوله لمن منع من الشرك وذرائعه: [أنت تضيق واسع - كذا -]!
فجوابه: من لم يطهره البحر فلا طهره الله!
ومن لم تكفه السنة فلا كفاه الله، ومن لم يقنع بالتوحيد فلا قنعه الله!
من الذي يضيق الواسع? آلذي يفتح للناس كل السبل الشرعية للتوسل التي امتلأ بها كتاب الله وسنه رسوله ومصطفاه? آلذي يحيلهم على التوحيد أم الذي حرمهم منه وحرَّمه عليهم ووسع لهم من أبواب الشرك كل طريق?
فمن الأرفق ومن الأرفق? ومن الذي وسع ومن الذي ضيق?
﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31].
وقال: [لأن جعلت التوسل بحبك لمن علمت أنه أقرب منك إلى الله يبقى حبك هو الذي هينفعك حبك له].
جوابه: قد يبدوا لأول وهلة قرب هذا الكلام من كلام أهل الشريعة والتوحيد لأن التوسل بحب الصالحين والأنبياء والمرسلين عمل مشروع لأنه يدخل تحت التوسل بالعمل الصالح كما مضى فيقول الموحد: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك ولآله الطاهرين وأصحابه الطيبين أن تغفر لي وترحمني! وليس المعنى أن تتوسل إلى الله بحبك للصالحين قائلا: اللهم إني أسألك بحبي لعبادك الصالحين كذا وكذا فهذا التوسل غير معروف في الأوساط الصوفية والمستنقعات القبورية إلا على سبيل التلبيس أو التقية التي حملوها من إخوانهم الروافض والباطنية ويوضحه:
أنه قال: [اوعى تفتكر انه هيجيبلك اللي متستحقوش]. وقال: [يجاملك فيعطيك ما لا تستحق عند الله يكرهك ولا يسأل عنك]!! انتهى بلفظه وحروفه.
فهل الولي يعطى شيئًا أو يمنع شيئًا?
وهل الولي يملك شيئًا أصلًا?
وما هذه المرتبة التي أخذها (الولي الصوفي) عند الله لدرجة أنه فوض إليه أمر خليقته وأسند إليه التصريف في الكون بإذن الله طبعًا!!
وما الذي أوصله إلى هذه المرتبة التي من خلالها يقف حاجبًا على بابه أن يدخل من يشاء ويحجب من يشاء ويعطى من يشاء ويمنع من يشاء?
أليس هذا هو نفس اعتقاد المشركين في آلهتهم ﴿شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ [يونس: 18] ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ﴾ [الزمر: 3]!
أليس الرسول قال: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ﴾ [هود: 31]?!
وقال – تعالى - ﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأنفسهم نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الرعد: 16].
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا?
قوله: [فساعة يتوسل بواحد فهو يعتقد أن الواحد اللي هيتوسل به ميقدرش يعمل حاجة، يبقى خلصنا من الشرك ولا مخلصناش يبقى حتى الشرك ابعدوها!
وهل اعتقد أن الذي أتوسل إليه قادر والمتوسل به عاجز يبقى ده منتهى الإيمان!] انتهى.
وخلاصه هذا الكلام أن الشعراوي:
1- يعتقد أن الشرك هو: أن تعتقد أن الفاعلية في غير الله فمن اعتقد أن الفاعل هو الله وحده وأن الله هو القادر وحده فقد بريء من الشرك كله وخرج من الشرك دقه وجِلّه.
2- يقرر أن من اعتقد أن مخلوقًا ممن خلقه الله أنه عاجز لا يقدر على شيء وأن الله وحده هو القادر فقد بلغ منتهى اليقين ومنتهى الإيمان ولا شك أن كل الناس يرجون أن يبلغوا هذه الرتبة العليا والمنزلة الرفيعة فدونك الطريق يا سالك الطريق!
فلا عليك خوف ولا خشية، إن شئت قدست الأوثان، وعبدت القبور والصلبان، إذا أقررت بالقدرة القاهرة للواحد الديان وأن ما عداه عاجز من إنس ومن جان.
فنقول: سبحانك! هذا إفك وبهتان وهل تخلف عن هذه العقيدة أحد? وهل تخلف عنها الشيطان? لقد أقر الجميع بذلك إلا من جحد بلسانه وكشف الله لنا عما في جنانه فجميع المشركين قد أقروا بذلك لله رب العالمين وما أدخلهم ذلك إيمانًا ولا أذاقهم إسلامًا بل كان ذلك من تمام إقامة الحجة عليهم فلزمهم أن يفردوه بالعبادات كما أفردوه بالقدرة على جميع المخلوقات.
قال – تعالى -: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]!
وهاأنذا سوف أقدم إليك بعض النصوص المحكمات، والبراهين الساطعات على أن إقرار المشرك بوجود الله وبربوبيته وقدرته وأنه الخالق الرازق لكل شيء لا يكفي للحكم على صاحبه بالتوحيد إلا إذا تجرد من الشرك والتنديد:
قال تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: 25].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت: 63].
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: 61].
﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)﴾ [النمل: 84- 89].
﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106].
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18].
﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 77].
﴿قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْـطِرْ عَلَيْنَا حِـجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: 32].
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: 19].
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ [قريش: 3].
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].
﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: 32].
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165].
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ إني يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: 30].
﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء: 102].
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أنفسهم ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14].
﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي...﴾ [الحجر: 39].
﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36].
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: 82].
ونحو ذلك من الآيات وهو في القران كثير جدًّا وكلها تدل على أن هؤلاء المشركين كانوا يوقنون بوجود الله وهل يشك المسلم في أن إبليس يوقن بوجود الله?!
وكذلك يقرون بأنه وحده هو الذي خلقهم ورزقهم وخلق السموات والأرض والعرش العظيم، وأنه هو الذي ينزل الغيث ويدبر الأمر، ومنهم من آمن بالبعث وبعض صفات الله – عز وجل - والتقرب إليه بأنواع من العبادات كالدعاء والاستغاثة والمحبة وغير ذلك وليس هذا بعجيب فالإقرار بوجود الله ومعرفته ومحبته داخلٌ في الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ كما قال الله – تعالى - ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30].
فمن المستحيل أن يقع هذا التبديل فيولد مولود على غير هذه الفطرة وعلى غير هذه الملة بحيث لو خلاه أبواه ومعلموه فلم يهودوه ولم ينصروه ولم يمجسوه لما شب إلا حنيفًا مسلمًا وذلك الإسلام المجمل الذي يفصل عن طريقه الوحي المنزل فتلك هي الفطرة المكملة للشرعة المنزلة وقال - عليه السلام - (كُلُّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جدعاء هل تحث بها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها).
وكما قال النبي فيما يرويه عن رب العزة - تبارك وتعالى - (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإن الشياطين اجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما قلت لهم).
فإن قيل: فما كان شرك المشركين وكفر الكافرين إذا كانوا مقرين بكل ذلك كما نطق بذلك القران ومع ذلك حكم عليهم بالشرك والكفران؟
فالجواب:
كان شركهم أنهم عبدوا معه غيره أو صرفوا لغيره خالص حقه من العبادة وهذا هو التنديد والتسوية والعدل التي ذكره الله – تعالى - في قوله عنهم، وقال – تعالى –: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 97- 98].
وقال – تعالى - ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1] وقال – تعالى -: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22].
ومعلوم أنهم لم يسووهم به في الخلق والرزق والتدبير والقدرة...
كيف وهم يقولون في تلبيتهم (لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك).
ولا يعكر على ذلك أن بعضهم نسب لله الولد كاليهود والنصارى فبعضهم نسب له البنات كمشركي العرب كما قال تعالى ﴿وَقَـالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَـالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: 30]، وقال تعالى ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: 57].
قال – تعالى –: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ وغير ذلك من الآيات فهذا كفر مستقل وذاك كفر مستقل كما قال تعالى ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ فنفى الأمرين وأبطل الشركين وفصل بين الكفرين. والله أعلم.
إذن فالشيخ الصوفي المفسر! لا يعرف حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل ولا يدرى حقيقة الشرك الذي حذرت منه الرسل.
قال شيخ الإسلام مجدد دعوة التوحيد:
(فإذا تحقق أنهم مقرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة كما كانوا يدعون الله ليلاً ونهارًا، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له ومنهم من يدعوا رجلاًَ صالحًا مثل (اللاتّ) أو نبيًّا مثل (عيسى) وعرفت أن الرسول قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده كما قال – تعالى -: ﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] وتحققت أن الرسول قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستعاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دمائهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: (لا اله إلا الله) فإن (الإله) عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور لم يريدوا أن (الإله) هو الخالق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده، فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام ولا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، والحاذق منهم من يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (لا اله إلا الله)).
ثم قال - رحمه الله –:
(فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثير على دين الرسل يصدون بها الناس عنه منها قولهم:
نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يدبر الأمر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا فضلا عن عبد القادر أو غيره ولكن أنا مذنب! والصالحون لهم جاه عند الله وأنا أطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم وهو:
أن الذين قاتلهم رسول الله يقرون بما ذكرت ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشفاعة واقرأ عليهم ما ذكره الله في كتابه ووضحه، فإن قال:
هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبدون الأصنام فكيف تجعلون الصالحين كالأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا?
فجوابه: بأن الكفار منهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعوا الأولياء الذين قال فيهم: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57].
ويدعون عيسى وأمه وقد قال - تعالى -: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ إني يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: 75- 76].
وقال - تعالى -: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَـةَ وَالنَّبِيِّـينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 80].
ومنهم من يدعوا الصالحين كما قال تعالى ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ﴾ [النجم: 19] على قراءة التشديد وهو رجل كان يلت السويق للحجاج.
وقال – تعالى -: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: 23].
وهؤلاء رجال صالحون من قوم نوح عليه السلام فهل فرق رسول الله بين احد منهم ?بل قاتلهم جميعًا وكفرهم جميعًا
فإن قال قائل: الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء!! ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواءٍ!
واقرأ عليه قوله - تعالى - ﴿والذين وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].
وقوله – تعالى -: ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]).
انتهى من كشف الشبهات بتصرف.
قوله: [يبقى خلصنا من الشرك ولا مخلصناش? يبقى حته الشرك ابعدوها]. انتهى.
قلت:
هذا كلام رجل لا يعرف الشرك -كما سبق - ولا يدرى خطورته بل يستهين به ويطلق عليه (حته الشرك) وقد عظم الله أمره فقال: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾[المائدة: 72].
وقال – تعالى - : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48] [النساء: 116].
وقال – تعالى - : ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
وقال - تعالى -: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: 31]. وغير ذلك كثير.
وإننا نسأل كلَّ صوفي قبوري ضال غوي ما هذا الذي أخبر الله أنه لا يغفره أبدًا وأن صاحبه مخلدٌ في نار جهنم وإن أتى بعمل كعمل النبي بل بعمل كل نبي!!
كما قال – تعالى –: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65].
وقال عن الأنبياء: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].
فما هذا الشرك؟
فإنه سيقول: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام!
وقد سبق جواب ذلك بأن المشركين الأولين ما كانوا يعتقدون فيها الربوبية وإنما فعلوا عندهم ما تفعلونه عند الأضرحة تمامًا.
ونقول لك أيضًا: قولك عبادة الأصنام هل مرادك مخصوص بهذا وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك فهذا يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
وعلى ذلك التفسير للتوحيد عند هذا القبوري الصنديد يكون أبا جهل اللعين وإبليس الرجيم قد بلغا منتهى الإيمان وذروة اليقين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
توسل عمر بالعباس - رضي الله عنهما -
قال الشعراوي عنه:
[هُوّ قال والآن نتوسل إليك بالعباس أم قال والآن نتوسل إليك بعم النبي? طيب ما هي رجعت له!
فالذين يمنعون بها يوسعوا الشقة على أنفسهم لأنه ليس فيه توسل بالنبي بل التوسل بمن يمت بصلة للنبي!
فالمسألة متدخلهاش في الغميق بالشكل ده.
لكن المتوسل به له صورتين – كذا –:
قد ينتفع وقد لا ينتفع فعمر لما توسل بالعباس عم النبي كان على مسألة المطر ودي ما ينتفعش بها رسول الله فجاب واحد من آل البيت يا رب عم نبيك عطشان اسقينا علشان خاطره]. انتهى بلفظه.
الجواب:
ولا حول ولا قوة إلا بالله هازم الأحزاب:
فأقول هذا يحتاج منا لوقفة متأنية مع توسل عمر بالعباس فلنأت للقصة من أولها، ولنستعرض القضية من بدايتها؛ لندرك حقيقة الأمر ولنقطع الطريق على إبليس فالله المستعان ومنه العون والسداد:
1- كان الصحابة – رضي الله عنهم – إذا نزل بهم ضر من بلاء أو قحط ونحو ذلك جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلبوا منه أن يدعو الله لهم فيدعو فيستجيب الله دعاءه ويكشف ما بهم من ضر.
أمثله:
5 عن أنس – رضي الله عنه – قال: أصاب الناس سنة على عهد النبي فبينما النبي يخطب على المنبر قائمًا في يوم الجمعة دخل أعرابي من أهل البدو من باب الزكاة وجاء المنبر ورسولُ الله قائمٌ فاستقبل رسول الله قائمًا فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا فرفع يديه يدعو حتى رأيت بياض إبطه: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) ورفع الناس أيديهم معه يدعون وإن السماء لمثل الزجاجة فطلعت من ورائه سحابه مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته – صلى الله عليه وسلم – فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فادع الله يحبسه لنا، فتبسم النبي فرفع يده فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وخرجنا نمشي في الشمس، يريهم الله كرامة نبيه وإجابة دعوته). رواه البخاري.
6 وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: شكا الناسُ إلى رسول الله قحوطَ المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يخرجون فيه، قالت: فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم.....) الحديث، وفيه: (ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع بدا بياض إبطيه) الحديث.
حسن. أخرجه أبو داود 1173 .
4 وعن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ادع الله لي أن يعافيني قال: (إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت فهو خير لك)؛ فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلى ركعتين ويدعو الله بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهم فشفعه فيّ وشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ).
صحيح: أخرجه أحمد 4\138 وصححه الألباني في التوسل ص75 .
9 وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما سمع بي أحد يهودي ولا نصراني إلا أحبني، إن أمي كنت أريدها على الإسلام فتأبى فقلت لها فأبت؛ فأتيت النبي فقلت: ادع الله لها؛ فدعا الله، فأتيتها وقد أجافت عليها الباب، فقالت: يا أبا هريرة إني أسلمت؛ فأخبرت النبي: فقلت ادع الله لي ولأمي، فقال: (اللهم عبدك أبو هريرة وأمه أحبهما إلى الناس).
حسن - الأدب المفرد رقم 34.
هـ- وعنه - رضي الله عنه – أيضًا: قال جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله ادع الله لي فقال: (إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك) قالت: بل أصبر ولا حساب علي. صحيح. رواه بن حبان - الترغيب رقم 3419 .
27 وعن خباب قال: أتينا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم - وهو متوسّد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا.........0 الحديث.
صحيح. رواه أبو داود برقم 2649.
وهكذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - مع نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابهم بلاء توسلوا إلى الله في كشف هذا البلاء بوسيلة من أعظم الوسائل الشرعية وهي دعاء النبي لهم فهذا الأعرابي يطلب منه أن يدعو الله لهم بالسقيا، وآخر أن يدعوا الله بصرفه بعيدًا عن المنازل، وثالث يطلب منه أن يدعو له برد بصره، ورابع يطلب منه أن يدعوَ لأمة الإسلام، وخامس يطلب الدعاء بالنصر والتمكين، وتلك أخرى تطلب الدعاء بالشفاء والعافية، وغيرهم الكثير والكثير وفي كل ذلك يدعو لهم رسول الله ويستجيب الله له فهذا دأبهم مع نبيهم ودأبه معهم فهل رأيت واحدًا منهم قعد في بيته وتوسل إلى الله في شيء من مطلوباته بذات نبيه أو جاهه عند الله أو حقه أو حرمته قائلا - مثلا -:
أسألك بجاه نبيك أو بحقه وحرمته كذا وكذا أو (يا رب علشان خاطر نبيك) ونحو هذه العبارات هل وقع ذلك ولو مرة واحدة اللهم لا.
2- فلما جاء الأجل المكتوب واختار الرفيق الأعلى ظلوا على هذا الدرب المستقيم والمنهج القويم الذي تلقوه من نبيهم لم يحدثوا بدعة ولم يميتوا سنة.
أمثلة :-
أ- عن أنس - رضي الله عنه - أن عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. رواه البخاري.
فقام العباس فقال: اللهم لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة. وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث قال: فأرخت السماء مثل الجبل حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. صحيح - الفتح 3/ 150 .
2 وعن سليم بن عامر الخبائري: أن السماء قحطت فخرج معاوية على المنبر قال أين يزيد بن الأسود الجرشي? فناداه الناس فأقبل يتخطى الناس فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا الله إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشى يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان أوشك أن ثارت سحاب في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كان الناس أن لا يبلغوا منازلهم.
رواه ابن عساكر في تأريخه وأبو زرعة في تأريخه وصححه الألباني 45 .
3 وعن الضحاك بن قيس أنه خرج يستسقي بالناس فقال ليزيد الأسود قم يا بكاء! زاد في رواية فما دعاء إلا ثلاثًا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه.
رواه ابن عساكر وصححه الألباني 45 .
ونلخص مما سبق النتائج التالية:
1 على طريق النبي مضى أصحابه من بعده فكانوا إذا أجدبوا أو قحطوا ونحو ذلك توسلوا إلى الله بدعاء صالحيهم من الأحياء فيدعون لهم فيستجيب الله لهم.
2 وأحيانًا كانوا لا يكتفون بذلك بل كانوا يقومون هم أيضًا بالأعمال الصالحة يتوسلون بها مع الوسيلة الأولى فيدعون بأنفسهم أو يؤمنون على دعاء من يدعوا لهم.
3 لم يعرف في زمن النبي أن أحدًا من الصحابة توسلوا إلى الله بجاه النبي عنده ولا شك أنه عظيم، ولا دل رسول الله أحدًا على ذلك رغم قيام المقتضى وانتفاء المانع وتعدد الوقائع والنوازل.
فإن قيل وجود النبي بينهم أغناهم من التوسل بجاهه وحقه وذاته وحرمته!
قلنا:
لكن النبي رسول إلى الناس كافة وإلى الورى عامة فكيف لا يبين جواز ذلك للأجيال اللاحقة التي لم تأت بعد وهو يعلم أن لهم حاجات تقتضيها طبيعة البشر فكيف يكتم ذلك ولا يبينه ولو مرة واحدة بقول أو فعل أو تقرير كيف?! وهو الذي وصفه ربه - عز وجل – قائلا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يدل على أنه عمل غير مشروع أصلاً.
6 لم يعرف أن الصحابة - رضي الله عنهم – فعلوا ذلك من بعده أو التابعين لهم بإحسان أو تابعيهم فلم يصح عن واحد منهم أنه إذا جاءت مصيبة أو نزلت به نازلة توسل في دعائه بجاه النبي أو أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو... إلخ. أو حقهم أو حرمتهم أو ذاتهم أو خاطرهم أو......إلخ. وهؤلاء هم خير السلف، قال – تعالى - ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.......) فلو كان خيرا لسبقونا إليه!
7 أن هذا الإطباق من هذه القرون المفضلة والأجيال الفاضلة على ترك هذا النوع من التوسل رغم قيام المقتضى وعدم المانع ورغم أنهم أحرص منا على الخير وأفهم لكلام النبي ومقاصد الشريعة وما يجوز وما لا يجوز: لَمِن أكبر الأدلة على أنه عمل غير مشروع بل هو إحداث دينٍ لم يأذن به الله.
قال – تعالى - ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
توسل عمر بالعباس في ضوء ما سبق:
في ضوء ما سبق يتضح توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما من خلال النقاط التالية:
3 عند حلول النكبات ونزول الملمات والكربات، يفزع الناس إلى أعظم الوسائل لتخطى هذه العقبة وتجاوز هذه المحنة، "وعام الرمادة" مجاعة عامة وقحط شديد نزل بالأمة الإسلامية في زمن عمر - رضي الله عنه - حتى حلف بالله ألا يأكل سمينا حتى يخصب الناس.
4 لم يتجه عمر والصحابة معه إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيشكون إليه حال الأمة أو يطلبون أن يستسقي لهم ولا شك أن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - لهم أرجى للقبول وأعظم بركة وآكد وسيلة إلى الله فليت شعري لم تركوا هذا الخير كله!!!
5 كذلك لم يجتمعوا ويرفعوا أيديهم متضرعين متوسلين قائلين: "اللهم إنا نتوسل إليك بجاه نبينا أو حرمته أو حقه أو ذاته أن تسقينا"! وهم يعلمون يقينا أن جاهه أعظم من جاه العباس بل من جاه جميع الناس، بل من جاه جميع الخلق – إن شاء الله – فلماذا هذا الترك لماذا?
6 لعلهم قصروا في تقديرهم للنبي؟ اللهم لا وحاشاهم – رضي الله عنهم –.
7 لعلهم أرادوا مجاملة العباس? اللهم لا وحاشاهم – رضي الله عنهم –.
8 لعلهم أرادوا أن يتوسلوا بالمفضول مع وجود الفاضل لبيان الجواز للأجيال اللاحقة? اللهم لا. وحاشاهم – رضي الله عنهم – أن يفعلوا ذلك مع النبي وهم الذين لم يحتملوا ولم يصبروا على إمامة خير الأمة بعد نبيها ألا وهو الصديق، لما حضر النبي - صلى الله عليه وسلم – وصفقوا، حتى كان رسول الله هو الذي كان بنفسه يشير للصديق!
فكيف يفعلون ذلك مع غير الصديق وفي هذا الظرف العصيب!!
وهب أن شيئًا من هذه الأشياء كان منهم في تلك المرة، أفيجوز أن يكون في كل مرة?!
وتأمل الرواية (كانوا إذا قحطوا توسلوا بالعباس)! وكان تدل على الدوام- غالبًا -!
وهب أن الأمر خفي على عمر - رضي الله عنه – فهل خفي على جميع المهاجرين والأنصار الذين كانوا في زمنه?!
وهب أنه خفي على جمهورهم في وقت ما فهل يخفي عليهم جميعًا إلى موت عمر - رضي الله عنه -؟!
وهب أن الأمر كذلك فهل يستمر هذا الجهل إلى زمن معاوية فيتوسل بالأسود بن يزيد الجرشى، تاركًا التوسل بجاه النبي وأبي بكر وعمر لو كان ممكنًا؟!
اللهم إن القول بجواز مثل ذلك فيه تضليل وتجهيل للصحابة والتابعين بإطلاق!
وهذا إلى الكفر والفسوق أقرب منه إلى الإيمان! والله أعلم.
والآن نعود إلى كلام الشعراوي:
قال: [هوّ قال: والآن نتوسل إليك (بالعباس) أم قال (بعم نبينا)? طيب ما هى رجعت له]. انتهى بلفظه.
والجواب:
من تأمل ما سبق بيانه ظهر له أن هذا الكلام مبني على مغالطة مكشوفة وهي أن توسل عمر بالعباس كان توسلاً بذاتِهِ أو جاهه أو حرمته أو حقه وليس توسلاً بدعائه أصلاً!!
فجاء بقرني حمار!
ففي رواية صحيحة أنه توسل بدعاء العباس لا بذاته ولا بجاهه ولا غير ذلك.
الأدلة على ذلك:-
1 ذكر الزبير بن بكار في رواية صحيحة دعاء العباس - رضي الله عنه – وهي: (فقام العباس فقال: اللهم لم ينزل البلاء إلا بذنب ولم يرفع إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث). التوسل للألباني.
2 لو كان توسل عم بالعباس توسلا بذاته أو جاهه ونحو ذلك لكان المتحتم بذات النبي وجاهه ونحو ذلك وقد حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
3 أن عمر سوّى بين التوسلين فقال: (كنا نتوسل إليك بنبينا) و (إنا نتوسل إليك بعم نبينا) فعُلِم أن التوسلين من نوع واحد إذ من غير المقبول في بداهة العقول أن يكون قول الفاروق الذي جعل الله الحق على قلبه ولسانه بمعنى: (كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا وإنا نتوسل إليك بجاه عمه)!! فهذا لا يقوله أعجمي فكيف بصحابي عربي ملهم محدث?!
وقد دلت الأدلة السابقة في أول الفصل على أنهم كانوا يشكون ذلك للنبي في حياته فيدعو لهم وهم يؤمِّنون، فيُسْقون الغيث فالتُزِم بالضرورة أن يكون توسلهم بالعباس من هذا الجنس وهذا ما شهدت له الرواية الصحيحة.
فاجتمع العقل الصريح مع النقل الصحيح على ما ذكرناه. والحمد لله.
وتأمل! كيف توسل العباس هو الآخر بالعمل الصالح في دعائه وهو التوبة والاعتراف بالذنب وتسبيح الرب عند ظلم الخلق فما أعظم التوحيد في قلوب هؤلاء الصحابة الأبرار وما أعظم فقههم وعلمهم وحمايتهم بجانب التوحيد ورعايتهم لكل ذريعة توصل إلى الشرك أو تنتهك حمى الشريعة، - رضي الله عنهم أجمعين – .
فإذا انكشفت هذه المغالطة وظهر أن توسل الصحابة بالعباس كان توسلاً بدعاء الرجل الصالح الحي لهم وليس توسلا بذاته ولا جاهه! علمنا أن التقدير الذي لا يصح غيره (كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بدعاء عم نبينا فاسقنا).
فإن قيل: لِمَ قال عمر (نتوسل بعم نبينا) ولم يقل (بالعباس)?!
الجواب: فضل آل بيت النبي لا ينكره إلا فاسق ناصبي! أما أهل السنة والجماعة فيعدون من أصولهم المقررة وقواعدهم المحررة صحبة آل بيت نبيهم- صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - في العقيدة الواسطية: (ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصيه رسول الله حيث قال يوم غدير خمّ: (أُذكِركم الله في أهل بيتي) وقال للعباس عمه (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) وقال (إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى قريشًا واصطفى من قريش بني هاشم).
وقال في الفتاوى (3/407) : (آل بيت رسول الله لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حق في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله فقال لنا قولوا: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد00 وبارك على محمد وعلى آل محمد) (وآل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة لقوله (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد). وقد قال – تعالى – : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33] وحرم عليهم الصدقة لأنها أوساخ).
وقال ابن كثير - رحمه الله – :
(ولا ننكر الوصاية بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وُجِد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته - رضي الله عنهم أجمعين-).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله – :
(وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله حقوقًا فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد بل من الغلو). [الرسائل الشخصية: 2/ 284].
وقال أيضًا:
(وإذا كان -سبحانه- قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدركوا محمدًا على الإيمان به، ولابد من نصرته، لا يكفي أحدهم عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم بأهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته - صلى الله عليه وسلم -). [الرسائل الشخصية: 1/ 312].
وأولى الناس برعاية حق آل بيت نبيهم هم الصحابة - رضوان الله عليهم-.
فكأنما آل النبي وصحبه روح يضم جميعها جسدان
وفي صحيح البخاري: قال أبو بكر: ارقبوا محمدًا في أهل بيته.
وقال لعلي: والله لقرابة رسول الله أحب إلي من أن أصل قرابتي.
وقال عمر للعباس: والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب.
وانظر إليه رضي الله عنه لما وضع الديون بدأ بأهل بيت رسول الله!
فاختيار عمر للعباس رضي الله عنهما ليدعو لهم وليستسقى لهم دون غيره كان لأسباب:
منها أنه من آل البيت الذين قال الله فيهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]. لذا حرمت عليه وعلى بنيه الزكاة والصدقة.
قال شيخ الإسلام في مسألة رأس الحسين عقب حديث: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي) قال:
(فإذا كانوا أفضل الخلق فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال). انتهى.
وهذا الفضل ليس لذات العباس ولا لذات غيره من آل البيت، وإنما لقربهم من النبي تفضيلا من الله وإنعامًا، ومِنَّةً وإحسانًا – رضي الله عنهم –.
وقال شيخ الإسلام في رسالته عن آل البيت معلقا على دعاء النبي لعلي وفاطمة وسيدَي شباب أهل الجنة (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا) قال:
(فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليسبغها عليهم رحمة من الله وفضل لم يبلغوها بمجرد دخولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم-). انتهى.
وذكر عن زين العابدين أنه قال: إني لأرجو أن يعطي الله المحسن منا أجرين وأخاف على المسيء منا وزرين!!
قلت:
كذلك العباس من أفاضل الصحابة وصالحيهم وخيارهم وكان يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة الوالد،
لذا قال عمر (عم نبينا) وقال العباس (لمكاني من نبيك).
زد على ذلك أن تقريب الصحابة لآل البيت وتقديمهم ومحبتهم هذا من الأعمال الصالحة التي يتقربون بها إلى الله – عز وجل - .
زد على ذلك أن العباس كان أكبر منهم سنًّا وذلك أيضًا أرجى للقبول كما قال - عليه السلام -: (إنما تنصرون وترزقون بضعفاءكم ..بدعوتهم..).
فاختيار عمر للعباس - رضي الله عنه – كان لأسباب كما ذكرنا وخلاصتها:
1 قرابته ومكانته من النبي - صلى الله عليه وسلم –.
2 صلاحه وتقواه.
3 سنه وشيبته.
4- أضف إلى ذلك ما ذكرته من أن تقديم آل البيت توسل آخر وهو التوسل بالعمل الصالح وهو محبة آل بيت النبي فما أعظم هذا الفاروق الذي جعله الله فرقانا بين الحق والباطل.
وبذلك يطيح كلام الشعراوي ويتجرد من العلمية والتأصيل، وإنما هو كلام عاطفي إنشائي لا علم فيه ولا توحيد بل فيه فتنة للعوام وإغراؤهم بما فيه هلاكهم.
فهل ترى موضعًا للحقيقة في قوله: (فجاب واحد من آل البيت وقال: يا رب عم نبيك عطشان اسقينا علشان خاطره)!
أم هذا خطأ ظاهر؟ فليس في كلام عمر توسل بالجاه ولا بالخاطر لا لفظًا ولا تقديرًا ولا ظاهرًا ولا تأويلًا.
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
وكذلك يظهر السقوط المزري لما قاله الجاهل الآخر- المفتي - الذي أجاز التبرك ببول النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال عن توسل عمر بالعباس:
[سيدنا العباس كان عنده بيت وسيدنا عمر خد البيت منه عشان يوسع المسجد وخده غصب منه سيدنا العباس تأثر في نفسه وسيدنا عمر زعل لأنه هو زعل العباس والنبي قال (عم الرجل صنو أبيه) وقال: (اتقوا الله في عمي) فسيدنا عمر كان بيترعش من خوف الله فخاف لَحْسَن يكون العباس زعل منه فكان تمللى يدِّيلُه الحِتَت دي، فلما جه يبص كده لقي العباس قال: أهَى فرصة إني أنا أبين له إنه هو عزيز عليَّ، وإنه هو أنا مش بقول عليه إنه راجل وحش ولا كذا لا قدر الله، ده راجل من كبار الأولياء وكذا، فراح عاطي له الحته دي.
لأنه ده يعد أبو النبي فلما قابله وهو مزعله قال: اللهم إنا كنا نستسقى بنبيك، نستسقى الآن بعم نبيك! ياه! فرَّحت العباس دهه، خلته فرحان افهموا الكلام عيشوا معاهم). أ.هـ.
من ملف صوتي بصوته ولفظه.
قلت:
لا يحتاج هذا الهراء والكذب والبهت والتنقيص للصحابة إلى تعليق على حد قول القائل:
لـي حيلة فيمــن ينـم وليس في الكذب حيلة
من كان يخلق ما يقول فحيلتـي فيهم قليلة!!
قال الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى –:
(أما التوسل بجاهه - صلى عليه وسلم – أو بذاته أو بحقه أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم فمن البدع التي لا أصل لها بل من وسائل الشرك لأن الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أعلم الناس بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبحقِّه لم يفعلوا ذلك ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، ولمّا أجدبوا في عهد عمر بن الخطاب لم يذهبوا إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - ولم يتوسلوا به ولم يدعوا عنده، بل استسقى عمر - رضي الله عنه – بعمه - صلى الله عليه وسلم - العباس بنِ عبد المطلب - رضي الله عنه - وهو على المنبر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقيَنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيُسقَوْن). رواه البخاري في صحيحه.
ثم أمر - رضي الله عنه - العباسَ أن يدعو فدعا وأمَّن المسلمون على دعائه فسقاهم الله – عز وجل -.
أما التوسل بجاه فلان أو حقه أو ذاته فهذا من البدع المنكرة ومن وسائل الشرك.
وأما دعاء الميت والاستغاثة به فذلك من الشرك الأكبر، والصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يدعوَ لهم وأن يستغيث لهم إذا أجدبوا، ويشفع في كل ما ينفعهم حين كان حيًّا بينهم فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - لم يسألوه شيئًا بعد وفاته ولم يأتوا إلى قبره يسألونه الشفاعة أو غيرها، لأنهم يعلمون أن ذلك لا يجوز بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم- وإنما يجوز ذلك في حياته - صلى الله عليه وسلم - قبل موته، ويوم القيامة حين يتوجه إليه المؤمنون ليشفع لهم ليقضيَ الله بينهم ولدخولهم الجنة). انتهى.
تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام 20 .
قوله: [فالمسألة ما تدخلهاش في الغميق بالشكل ده]. انتهى بلفظه.
الجواب:
أن الصوفية لم يكتفوا بهجر التوسل الشرعي بأقسامه، ولا بهجر تعليمه للناس وحضهم عليه وترغيبهم فيه، بل تعدّوا ذلك إلى التوجه صوب التوسل البدعي فاستفرغوا فيه وسعهم عملاً ودعوةً ودفاعا عنه! ولم يقفوا عند هذا الحد بل تجاوزوه إلى التوسل الشركي بدعاء الموتى والاستغاثة بهم في الملمات، والذبح لهم على العتبات، والنذر لقبورهم وأضرحتهم طلبًا لتفريج الكربات، من دون رب الأرض والسموات، حتى وصفهم بعض الشعراء فقال:
أحياؤنا لا يـرزقــون بـــدرهـمٍ وبألف ألف تــرزقُ الأمــوات
من لـي بحـظ النائمـيـن بحفرة قامت على أعتــابها الصلوات
يسعى الأنـام لها ويـجـرى حولـهــا بحـر النذور وتقــرأ الآيــات
ويقال هذا (القطب) باب المرتضـى ووسيله تقضى بها الحاجـات
وأهل السنة لمّا حاربوا التوسل البدعي لأنه:
أولاً: ليس بوسيلة أصلاً فلا يتحقق به المقصود.
وثانيًا: لأنه لا يتقرب به إلى الله.
وثالثًا: لأن صاحبه آثم مبتدع.
ورابعًا: لأنه ذريعة إلى التوسل الشركي.
أقول:
ألا يستحق الشرك أن يُخافَ منه كل هذا الخوف؟! ألا يستحق أن يغلق كل بابٍ يُوَصِّل إليه وتسد كل ذريعة تفضي إليه؟!
ألم يخفه الخليل على نفسه وأولاده فدعا الله قائلاً: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]، وذكر السبب في ذلك فقال: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 36]!!
ألم يخفه رسول الله على أصحابه لما خرج عليهم وهم يتذاكرون الدجّال؟ فقال: (ألا أخبركم بما هو خوفا عليكم عندي من المسيح الدجال؟
قالوا: بلى، قال: الشرك الخفي! رواه احمد وحسنه الألباني (صحيح الجامع 2607).
فإذا كان رسول لم يأمنه على أصحابه فكيف نأمنه على أنفسنا؟!
وإذا كان - صلى الله عليه وسلم - خافه على أفضل جيل وأعظم قرن أكبر من خوفه عليهم من الدجال، فكيف لا نخافه على العوام والدهماء، بل وعلى أشباه الأنعام؟!
بلى والله!
إننا نخاف الشرك الأكبر والأصغر، على أنفسنا وإخواننا ونسائِنا ورجالنا، ولا نأمنه طرفة عين.
وكيف نأمنه وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يُزِيغَ قلب عبد أزاغه؟!
فإن قيل:
أليست الأمة قد سلمت من الشرك ودخل الناس في دين الله أفواجا، وظهر دين الله علي جميع الأديان كما قال تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة:33]!
ألم يقل النبي: (إن الشيطان قد أَيِسَ أن يعبده المصلون في جزيرة العرب).
ألم يقل النبي: (والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي). وقد رواه البخاري ومسلم؟!
الجواب بعون الفتاح العليم! وهو خير الفاتحين، من خلال هذه النقاط:
أولاً: الجمع بين النصوص الصحيحة هو المتعين، لا أن نضرب بعضها ببعض ونؤمن ببعضها ونكفر ببعض، فالكل من عند الله وقد قال - سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا - : ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
ثانيًا: ثبت ثبوتًا قطعيًّا لا يقبل النقض، ولا يتطرق إليه أدنى شك أن بعض هذه الأمة قد وقع في صورٍ من الشرك الأكبر، لا يمكن أن تتعامى عنه العيون، ولا يمكن أن يجحده العاقلون:
اقرؤوا التاريخ إذ فيه عبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أ- إدعاء النبوة من الكاذبَين (مسيلمة) و (والأسود العنسي) وانحاز للأول (أهل اليمامة) وانحاز للثاني (أهل صنعاء) وغيرهم.
ب- ووقوع الردة بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – مباشرة، وكان أهل الردة أصنافًا:
فمنهم من اتبع مدعي النبوة كما سبق.
ومنهم من جحدوا الزكاة ومنعوها.
ومنهم من ارتد عن الإسلام وعاد إلى عبادة الأوثان.
جـ- في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ظهرت طائفة السبئية الذين ألَّهوا عليًّا وقالوا له: أنت ربُّنا، فحرّقهم بالنار وقال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا أججت نارى ودعوت قنبرا
د- ظهور القرامطة: الذين أجمعت الأمة على كفرهم حيث أعلنوا الكفر بأقوالهم وأفعالهم الصريحة وكان مقرُّهم (البحرين) وأغاروا على (مكة) وقتلوا الحجيج وردموا زمزم بجثث الحجاج، وجعل قائدهم يقول:
أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل
وقال أيضًا:
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصب علينا النار من فوقنا صبًّا
لأنا حججنا حجة جاهليةً مجللة لـم تبقِ شرقًا ولا غربًـا
هـ- وما زالت تظهر في الأمة طوائفُ تعلن الكفر صراحةً وتنسب إليه جهرةً، ويتبعها أقوامٌ من العوام والنساء وغيرهم ممن يشهد الجميعُ بكفرهم كالدروز والباطنية والقاديانية والبابية والبهائية وغير ذلك من فرق الكفر البواح والشرك الصراح، وسيستمر ذلك حتى يبعث الله ريحًا طيبةً فتقبض روحَ كلِّ مؤمن، ويبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى الوثنية جميعًا، فلا يبقى على ظهر الأرض موحدٌ يقول: لا إله إلا الله!
3- أن أهل العلم قد وفَّقوا بين هذه النصوص، وجمعوا بينها وردُّوا المتشابه منها إلى المحكم، شأن الراسخين من أهل العلم في كل زمان وذلك على أحد الأوجه التالية:
أ- أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الشيطان قد أيِسَ...). الحديث. مجردُ إخبار عن حال الشيطان وما اعتراه من يأس وقنوطٍ حين بُهِرَ بانتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجًا.
ويأس الشيطان ليس حجة على أحد ولا لأحد، فهو مخلوق يطرأ على ظنونه وتقديراته ما يطرأ على ظنون وتقديرات غيره من خلق الله ثم يتبين بعد ذلك خطؤه، وبعده عن الصواب.
لكن سرعان ما عاد إليه الأمل بعد أن رأى أمواج الردة وأفواج المرتدين بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم -، فلم يدم يأسه طويلاً حتى عاد إليه الأمل في أن يعبده الناس مرةً أخرى بأي شكلٍ من أشكال وصور عبادة الشيطان، وقد كان!
فإن قيل: سلّمنا أن الشيطان قد يطرأ عليه سوء التقدير والخطأ في الظن ولكننا نستدل بحكاية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الخبر عن الشيطان ألا يدل ذلك على إقراره على يأسه ذلك؟!
فالجواب: قد أجاب أهل العلم بالوجه التالي:
ب- أن قوله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب): ليس على عمومه، بل هو مخصوص بزمن معين، أو بأُناس معينين وهم الصحابة - رضوان الله عليهم - ومعلوم عند أهل الأصول أن العام قد يدخله التخصيص، وقد يراد به الخصوص ابتداءً، فالأولى يسمى عندهم: (العام المخصوص) والثاني يسمى: (العام الذي أريد به الخصوص). والله أعلم.
جـ- وهناك وجه آخر يحتمله الدليل وهو أن الذي لم يخفه رسول الله على أمته هو أن ترتد الأمة جميعًا وتكفر عن بكرة أبيها. وهذا الذي يأس منه الشيطان وهذا حقٌّ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة فكيف تجتمع على الشرك؟ّ!
وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله).
وبعد ذلك تأتي الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين ولا يبقى إلا شرار الخلق فيرجعون لدين آبائهم من عبادة الأصنام. والله أعلم.
وبعد،
فإذا تطرقت كل هذه الاحتمالات إلى ما ساقوه من الشبهات على عدم وقوع الشرك في هذه الأمة، فعند العلماء مقرر بلا جدال أن الدليل إذا تطرقت إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فكيف بكل هذه الاحتمالات القوية والأوجه المحتملة؟! والله – تعالى - أعلم.
راجع :القبورية في اليمن نشأته وتاريخه وموقف العلماء منه صـ 87 وما بعدها للشيخ أحمد حسن المعلم.
هذا فيما يتعلق بالشرك وأما البدعة:
فأمرها خطير وضررها عظيم وقد جاء ذمها في القران والسنة وفي كلام سلف هذه الأمة فأما القران الكريم فقد قال – تعالى –: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] وقال – تعالى – : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]. وقال – تعالى - ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21].؟!
وأما السنة المطهرة:-
1- فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
وفي رواية مسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
2- وقال أيضًا – صلى الله عليه وسلم -: (إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة). رواه مسلم،3- وزاد النسائي: (وكل ضلاله في النار) وصححها الألباني.
4- وقال - عليه الصلاة والسلام -: (إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة). رواه أحـمد وصححه الألباني.
5- وقال أيضًا (من أحدث حدثا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأما الآثار:-
1 عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (إياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم بالأمر العتيق).
2 وعن ابن عباس- رضي الله عنه - قال: (عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع).
3 وعن ابن مسعود – رضي الله عنه - قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالـة).
4 وعنه أيضًا - رضي الله عنه - : (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة) .
5 وقال ابن عمر: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة).
6 وقال أيوب السيختياني - رحمه الله - : (ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد من الله بعدًا).
7 وقال حسان بن عطية - رحمه الله - : (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزغ الله من سنتهم مثلها).
8 وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : (من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه).
9 وقال سفيان الثوري - رحمه الله - : (من أصغى بأذنـه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله).
10 وقال أبو الجوزاء - رحمه الله –: (لأن تجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل هذه الأهواء).
ثم نقول: أليست البدعة استدراك على الشرع؟! أليست قولاً على الله بغير علم؟! أليست اتهامًا للنبي بالخيانة والكتمان وعدم البلاغ؟! أليست اتهامًا للصحابة بالجهل والتفريط وعدم الحرص على الخير وعدم تبليغ الشريعة كاملة؟! أليست هدفًا للدين وتغييرًا للشريعة؟! أليست البدعة أشر من المعصية؟!
قال سفيان: (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية فإن المعصية يُتَابُ منها والبدعة لا يتاب منها)!
فهل بعد ذلك يُقبَل كلام - الشعراوي في مسائل بعضها شرك وبعضها بدعة: (والمسألة متدخلهاش في الغميق بالشكل ده)؟!!
قوله: [لكن المتوسل به له صورتين قد ينتفع وقد لا ينتفع فعمر لما توسل بالعباس - عم النبي - كان على مسألة المطر ودي ما ينتفعش بها رسول الله فجاب واحد من آل البيت وقال يا رب عم نبيك عطشان فاسقنا علشان خاطره]. انتهى بلفظه.
فالجواب:
أولاً: هذا التقسيم لا أصل له في الشريعة فأين الدليل على اختلاف الحكم فيما إذا كان المتوسل به ينتفع أو لا ينتفع بالمتوسل فيه ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111].
ثانيًا: قوله: [عمر لما توسل بالعباس].
نقول عمر - رضي الله عنه - عربي أصيل في عربيته يعلم معنى التوسل بخلاف هؤلاء القبورية الجهلة باللغة والشرع وإن حصلوا فيها على شهادات!
فالتوسل بالرجل الصالح عند عمر وغيره هو التوصل إلى تحقيق المراد باتخاذ وسيلة تحققه.
وأما التوسل عند القبوريين فهو قول المتوسل في دعائه وتوسله: "اللهم لأجل فلان أولجاه فلان أو كما قال (علشان خاطره) كذا وكذا" فهم يكتفون بذكر اسم المتوسل به في دعائهم وهذا ما لم يفهمه عمر ولا غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - وهذا بخلاف أنواع التوسل الأخرى.
فالتوسل بأسماء الله وصفاته يُذْكَرُ فيها الاسم أو الصفة فنقول: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم"!
وذلك لأن أسماء الله وصفاته يتقرب إلى الله بذكرها فهي عبادة بخلاف أسماء الأولياء والصالحين فتنبه ولا تكن من الغافلين!
وكذلك لوجود أعظم مناسبة بين طلب الرحمة وبين اسم الله الرحيم، وطلب المغفرة وبين اسم الله الغفور. وهكذا.
وكذلك التوسل بالعمل الصالح الذي قام به المتوسِّل نفسه لورود النص به ولوجود المناسبة بين العامل وطلبه، فكما تعرَف ربّه في الرخاء، فهو يدعو الله أن يعرفه في هذه الشدة.
ثالثًا: ولو سلمنا جدلاً بهذا التقسيم المبتدع لكان قاصمة ظهر القبورية ما بعدها قاصمة!
لأننا نطالبهم وفقًا لهذا التقسيم بألا يتوسلوا بأحد من الأموات أصلاً نبيًّا ولا وليًّا لأنه لا ينتفع بشيء مما يتوسل به هؤلاء المتوسلون!!
﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: 118- 119]. والحمد لله رب العالمين.
لكن قد يقال: إن سكوت الاستدلال بتوسل عم بالعباس - هذا السقوط المدوي! الذي سبق بيانه - لا يستلزم عدم وجود دليل آخر يُسْتَفَادُ منه جواز التوسل بالجاه، والحق، والذات، ونحو ذلك.
فهاهنا حديثٌ صحيحٌ وهو توسل الضرير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في رد بصره وهناك توسل: #إلي_الحلقة_الرابعة_←.(4)(http://aboumoaz8.blogspot.com.eg/2015/12/4.html )
_______________.....
كتبة الشيخ / أبوطارق _محمود بن محفوظ ..
( http://www.mahfoouz.com/play-827.html

0 التعليقات:
إرسال تعليق